قالت} حين أخذها وجع الطلق :﴿يا ليتني متُّ﴾ بكسر الميم، من مات يُمَاتُ، وبالضم، من مات يموت، ﴿قبل هذا﴾ الوقت الذي لقيتُ فيه ما لقيت، وإنما قالته، مع أنها كانت تعلم ما جرى لها مع جبريل عليه السلام من الوعد الكريم ؛ استحياء من الناس، وخوفًا من لائمتهم، أو جريًا على سنن الصالحين عند اشتداد الأمر، كما رُوي عن عمر رضي الله عنه أنه أخذ تِبْنَةً من الأرض، فقال : ليتني هذه التبنة ولم أكن شيئًا ". وقال بلال :(ليت بلالاً لم تلده أمه). ثم قالت :﴿وكنتُ نسْيًا﴾ أي : شيئًا تافهًا شأنه أن يُنسى ولا يُعتد به، ﴿منسيًّا﴾ لا يخطر ببال أحد من الناس. وقُرئ بفتح النون، وهما لغتان ؛ نِسي ونَسْي، كالوَتْر والوِتْر. وقيل : بالكسر : اسم ما ينسى، وبالفتح : مصدر.
﴿فناداها﴾ أي : جبريل عليه السلام ﴿مِنْ تحتِها﴾، قيل : إنه كان يقبل الولد من تحتها، أي : من مكان أسفل منها، وقيل : من تحت النخلة، وقيل : ناداها عيسى عليه السلام، ويرجحه قراءة من قرأ بفتح الميم، أي : فخاطبها الذي تحتها :﴿أن لا تحزني﴾،
٢١٧
أو : بألا تحزني، على أنَّ " أنْ " مفسرة، أو مصدرية، حذف عنها الجار. ﴿قد جعل ربك تحتكِ﴾ أي : بمكان أسفل منك ﴿سَرِيًا﴾ أي : نهرًا صغيرًا، حسبما رُوي مرفوعًا. قال ابن عباس رضي الله عنهما :(إن جبريل عليه السلام ضرب برجله الأرض، فظهرت عين ماء عذب، فجرى جدولاً). وقيل : فعله عيسى، أي : ضرب برجله فجرى، وقيل : كان هناك نهر يابس - أجرى الله تعالى فيه الماء -، كما فعل مثله بالنخلة، فإنها كانت يابسة لا رأس لها، فأخرج لها رأسًا وخُوصًا وتمرًا. وقيل : كان هناك نهرُ ماء. والأول أظهر ؛ لأنه الموافق لبيان إظهار الخوارق، والمتبادر من النظم الكريم.


الصفحة التالية
Icon