فإِما تَرَينَّ من البشر أحدًا} آدميًا كائنًا من كان ﴿فقولي﴾ له إن استنطقكِ أو لامك :﴿إِني نذرتُ للرحمن صومًا﴾ أي : صمتًا، وقُرئ كذلك، وكان صيامهم السكوت، فكانوا يصومون عن الكلام كما يصومون عن الطعام. وذكر ابن العربي في الأحوذي : أن نبينا - عليه الصلاة والسلام - اختص بإباحة الكلام لأمته في الصوم، وكان محرمًا على من قبلنا، عكس الصلاة. هـ. قالت :﴿فلن أُكلِّمَ اليوم إِنسيًّا﴾ أي : بعد أن أخبرتكم بنذري، وإنما أكلم الملائكة أو أناجي ربي. وقيل : أُمرت بأن تُخبر عن نذرها بالإشارة. قال الفراء : العرب تُسمى كل ما وصل إلى الإنسان كلامًا، ما لم يُؤكّد بالمصدر، فإذا أُكد لم يكن إلا حقيقة الكلام. هـ. وإنما أُمرت بذلك ونذرته ؛ لكراهة مجادلة السفهاء ومقاولتهم، وللاكتفاء بكلام عيسى عليه السلام ؛ فإنه نص قاطع في قطع الطعن.
٢١٨
﴿فأتت به قومًها﴾ عندما طَهُرت من نفاسها، ﴿تحملُه﴾ أي : حاملة له. قال الكلبي : احتمل يوسف النجار - وكان ابن عمها - مريمَ وابنها عيسى، فأدخلهما غارًا أربعين يومًا، حتى تَعَلّتْ من نفاسها، ثم جاءت به تحمله بعد أربعين يومًا، وكلمها عيسى في الطريق، فقال : يا أمه، أبشري، فإني عبد الله ومسِيحُه. فلما رآها أهلُها، بَكَوا وحزنوا، وكانوا قومًا صالحين. ﴿قالوا يا مريمُ لقد جئتِ﴾ أي : فعلت ﴿شيئًا فَرِيًّا﴾ : عظيمًا بديعًا منكرًا، من فَرَى الجلد : قطعه. قال أبو عبيدة :(كل فائق من عَجَب أو عمل فهو فَرِيّ). قال النبي ﷺ : في حق عمر رضي الله عنه :" فلم أرَ عَبْقَرِيًا من النَّاس يَفْرِي فَرِيَّة "، أي : يعمل عمله.


الصفحة التالية
Icon