﴿يا أخت هارون﴾، عنوا هارون أخا موسى ؛ لأنها كانت من نسله، أي : كانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة، وكان بينها وبينه ألفُ سنة. أو يا أخت هارون في الصلاح والنسك، وكان رجلاً صالحًا في زمانهم اسمه هارون، فشبهوها به. ذُكِرَ لما مات تبع جنازته أربعون ألفًا، كلهم يسمي هارون من بني إسرائيل. وقيل : إن هارون الذي شبهوها به كان أفسق بني إسرائيل، فشتموها بتشبيهها به. ﴿ما كان أبوك﴾ عمران ﴿امْرأَ سَوْءٍ وما كانت أُمك بغيًا﴾، فمن أين لك هذا الولد من غير زوج ؟. هذا تقرير لكون ما جاءت به فريًا منكرًا، أو تنبيه على أن ارتكاب الفواحش من أولاد الصالحين أفحش الفواحش.
﴿فأشارتْ إِليه﴾ أي : إلى عيسى أن كلموه، ولم تكلمهم وفاء بنذرها، وإشارتها إليه من باب الإدلال، رجوعًا لقوله لها :﴿وقرّي عينًا﴾، ولا تقر عينها إلا بالوفاء بما وعُدت به، من العناية بأمرها والكفاية لشأنها، وذلك يقتضي انفرادها بالله وغناها به، فتدل بالإشارة. وكان ذلك طوعَ يدها، وتذكّر قضية جريج. قاله في الحاشية. ﴿قالوا﴾ منكرين لجوابها :﴿كيف نُكلم من كان في المهد صبيًّا﴾، ولم يُعهد فيما سلف صبي يكلمه عاقل. و ﴿كان﴾ هنا : تامة. و ﴿صبيًّا﴾ : حال. وقيل : زائدة، أي : من هو في المهد.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٦
قال﴾ عيسى عليه السلام :﴿إِني عبد الله﴾، أنطقه الله تعالى بذلك تحقيقًا للحق، وردًا على من يزعم ربوبيته. قيل كان المستنطق لعيسى زكريا - عليهما السلام - وعن السدي :(لما أشارت إليه، غضبوا، وقالوا : لَسُخْرِيَتُها بنا أشدُّ علينا مما فعلت). رُوي أنه عليه السلام كان يرضع، فلما سمع ذلك ترك الرضاع واقبل عليهم بوجهه،
٢١٩
واتكأ على يساره، وأشار بسبابته، فقال ما قال. وقيل : كلمهم بذلك، ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغًا يتكلم فيه الصبيان.