ثم قال في كلامه :﴿آتاني الكتابَ﴾ : الإنجيل :﴿وجعلني﴾ مع ذلك ﴿نبيًّا وجعلني مباركًا﴾ : نفَّاعًا للناس، معلمًا للخير ﴿أينما كنتُ﴾ أي : حيثما كنت، ﴿وأوصاني بالصلاة﴾ : أمرني بها أمرًا مؤكدًا، ﴿والزكاة﴾ ؛ زكاة الأموال، أو بتطهير النفس من الرذائل ﴿ما دمت حيًا﴾ في الدنيا. ﴿و﴾ جعلني ﴿برًّا بوالدتي﴾ فهو عطف على ﴿مباركًا﴾. وقرئ بالكسر، على أنه مصدرٌ وُصف به مبالغةً، وعبّر بالفعل الماضي في الأفعال الثلاثة ؛ إما باعتبار ما سبق في القضاء المحتوم، أو بجعل ما سَيَقَع واقعًا لتحققه. ثم قال :﴿ولم يجعلني جبارًا شقيًّا﴾ عند الله تعالى، بل متواضعًا لينًا، سعيدًا مقربًا، فكان يقول : سلوني، فإن قلبي لين، وإني في نفسي صغير، لما أعطاه الله من التواضع.
ثم قال :﴿والسلام عليَّ يوم ولدتُ ويوم أموتُ ويوم أُبعث حيًّا﴾، كما تقدم على يحيى. وفيه تعريض بمن خالفه، فإن إثبات جنس السلام لنفسه تعريض بإثبات ضده لأضداده، كما في قوله تعالى :﴿وَالسَّلاَمُ عَلَىا مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىا﴾ [طه : ٤٧] ؛ فإنه تعريض بأن العذاب على من كذّب وتولى.


الصفحة التالية
Icon