ثم قال لهم عيسى عليه السلام :﴿وإنَّ الله ربي وربكم فاعبدوه﴾، فهو من تمام ما نطق به في المهد، وما بينهما اعتراض، للمبادرة للرد على من غلط فيه، أي : فإني عبد، وإن الله ربي وربكم فاعبدوه وحده ولا تُشركوا معه غيره، ﴿هذا﴾ الذي ذكرت لكم الذي ذكرت لكم من التوحيد ﴿صراط مستقيم﴾ لا يضل سالكه ولا يزيغ متبعه.
قال تعالى :﴿فاختلف الأحزابُ من بينهم﴾، الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، تنبيهًا على سوء صنيعهم، بجعلهم ما يُوجب الاتفاق منشأ للاختلاف، فإن ما حكى من مقالات عيسى عليه السلام، مع كونها نصوصًا قاطعة في كونه عبده تعالى ورسوله، قد اختلفت اليهود والنصارى بالتفريط والإفراط، وفرّق النصارى، فقالت النسطورية : هو ابن الله، وقالت اليعقوبية : هو الله هبط إلى الأرض ثم صعد إلى السماء، وقالت المِلْكَانية : هو ثالث ثلاثة. ﴿فويلٌ للذين كفروا﴾ وهم : المختلفون فيه بأنواع الضلالات. وأظهر الموصول في موضع الإضمار ؛ إيذانًا بكفرهم جميعًا، وإشعارًا بِعِلِّيَّةِ الحكم، ﴿من مَشْهَدِ
٢٢٢
يوم عظيم﴾
أي : ويل لهم من شهود يوم عظيم الهول والحساب والجزاء، وهو يوم القيامة، أو : من وقت شهوده أو مكانه، أو من شهادة اليوم عليهم، وهو أن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء - عليهم السلام - وألسنتُهم وأيديهم وأرجلهم، بالكفر والفسوق.


الصفحة التالية
Icon