﴿وأنذرهم يوم الحسرة﴾ أي : يوم يرفع المقربون ويسقط المدعون. فأهل الذوق والوجدان حصل لهم اللقاء في هذه الدار، ثم استمر لهم في دار القرار. رُوي أن الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه قال يومًا بين يدي أستاذه :(اللهم اغفر لي يوم لقائك). فقال له شيخه - القطب ابن مشيش - رضي الله عنهما : هو أقرب إليك من ليلك ونهارك، ولكن الظلم أوجب الضلال، وسبقُ القضاء حَكَمَ بالزوال عن درجة الأُنْس ومنازل الوصال، وللظالم يومٌ لا يرتاب فيه ولا يخاتل، والسابق قد وصل في الحال، " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين ". هـ. كلامه رضي الله عنه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢١
قلت :﴿إذ قال﴾ : بدل اشتمال من ﴿إبراهيم﴾، وما بينهما : اعتراض، أو متعلق بكان.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿واذكر في الكتاب﴾ ؛ القرآن أو السورة، ﴿إِبراهيم﴾ أي : اتل على الناس نبأه وبلغه إياهم، كقوله :﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الشعراء : ٦٩] ؛ لأنهم ينتسبون إليه عليه السلام، فلعلهم باستماع قصته يقلعون عما هم عليه من الشرك والعصيان. ﴿إِنه كان صدّيقًا﴾ ؛ ملازمًا للصدق في كل ما يأتي ويذر، أو كثير التصديق ؛ لكثرة ما صدق به من غيوب الله تعالى وآياته وكتبه ورسله، فالصدِّيق مبالغة في الصدق، يقال : كل من صدق بتوحيد الله وأنبيائه وفرائضه، وعمل بما صدق به فهو صدّيق، وبذلك سُمي أبو بكر الصدّيق، وسيأتي في الإشارة تحقيقه عند الصوفية، إن شاء الله.
٢٢٤
والجملة : استئناف مسوق لتعليل موجب الأمر ؛ فإن وصفه عليه السلام بذلك من دواعي ذكره، وكان أيضًا ﴿نبيًّا﴾، أي : كان جامعًا بين الصديقية والنبوة، إذ كل نبي صِدِّيق، ولا عكس. ولم يقل : نبيًا صديقًا ؛ لئلا يتوهم تخصيص الصديقية بالنبوة.


الصفحة التالية
Icon