﴿إِذْ قال لأبيه﴾ آزر، متلطفًا في الدعوة مستميلاً له :﴿يا أبتِ﴾، التاء بدل من ياء الإضافة، أي : يا أبي، ﴿لِمَ تعبدُ ما لا يسمع﴾ ثناءك عليه حين تعبده، ولا جُؤَارك إليه حين تدعوه، ﴿ولا يُبْصِرُ﴾ خضوعك وخشوعك بين يديه، أو : لا يسمع ولا يبصر شيئًا من المسموعات والمبصرات، فيدخل في ذلك ما ذكر دخولاً أوليًا، ﴿ولا يُغْنِي عنك شيئًا﴾ أي : لا يقدر أن ينفعك بشيء في طلب نفع أو دفع ضرر.
انظر ؛ لقد سلك عليه السلام في دعوته وموعظته أحسن منهاج وأقوم سبيل، واحتج عليه بأبدع احتجاج، بحسن أدب، وخلق جميل، لكن وقع ذلك لسائرٍ ركب متن المكابرة والعناد، وانتكب بالكلية عن محجة الصواب والرشاد، أي : فإنَّ من كان بهذه النقائص يأبى مَن له عقل التمييز من الركون إليه، فضلاً عن عبادته التي هي أقصى غاية التعظيم، فإنها لا تحِقُ إلا لمن له الاستغناء التام والإنعام العام، الخالق الرازق، المحيي المميت، المثيب المعاقب، والشيء لو كان مميزًا سميعًا بصيرًا قادرًا على النفع والضر، لكنه ممكن، لاستنكف العقل السليم عن عبادته، فما ظنك بجماد مصنوع من حجر أو شجر، ليس له من أوصاف الأحياء عين ولا أثر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٤