وأعتزلُكم} أي : أتباعد عنك وعن قومك، ﴿وما تَدْعُونَ من دونِ الله﴾ بالمهاجرة بديني، حيث لم تؤثر فيكم نصائحي، ﴿وأدعو ربي﴾ : أعبده وحده، أو أدعوه بطلب المغفرة لك - أي قبل النهي - أو : أدعوه بطلب الولد، كقوله :﴿رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينِ﴾ [الصَّافات : ١٠٠]، ﴿عسى ألا أكون بدعاءِ ربي شقيًّا﴾ أي : عسى ألا أشقى بعبادته، أو : لا أخيب في طلبه، كما شقيتم أنتم في عبادة آلهتكم وخبتم. ففيه تعريض بهم، وفي تصدير الكلام بعسى من إظهار التواضع وحسن الأدب، والتنبيه على أن الإجابة من طريق الفضل والكرم، لا من طريق الوجوب، وأن العبرة بالخاتمة والسعادة، وفي ذلك من الغيوب المختصة بالعليم الخبير ما لا يخفى. الإشارة : انظر كيف رفض آزرُ مَن رغب عن آلهته، وإن كان أقرب الناس إليه، فكيف بك أيها المؤمن ألاَّ ترفض من يرغب عن إلهك ويعبد معه غيره، أو يجحد نبيه ورسوله، بل الواجب عليك أن ترفض كل ما يشغلك عنه، غيرةً منك على محبوبك، وإذا نظرت بعين الحقيقة لم تجد الغيرة إلا على الحق، إذ ليس في الوجود إلا الحق، وكل ما سواه باطل على التحقيق.
فمن اعتزل كل ما سوى الله، وأفرد وجهته إلى مولاه، لم يَشْق في مَطلبه ومسْعاه، بل يطلعه الله على أسرار ذاته، وأنوار صفاته، حتى لا يرى في الوجود إلا الواحد الأحد الفرد الصمد. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٧
قلت :﴿وكُلاًّ﴾ : مفعول أول لجعلنا، و ﴿عَلِيًّا﴾ : حال من اللسان.


الصفحة التالية
Icon