الإشارة : كل من اعتزل عن الخلق وانفرد بالملك الحق، طلبًا في الوصول إلى مشاهدة الحق، لا بد أن تفيض عليه المواهب القدسية والأسرار الوهبية والعلوم اللدنية، وهي نتائج فكرة القلوب الصافية، وفي الحكم :" ما نفع القلب شيءٌ مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة ". قال الجنيد رضي الله عنه : أشرف المجالس وأعلاها الجلوس مع الفكرة في ميدان التوحيد. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه :(ثمار العزلة : الظفر بمواهب المنة، وهي أربعة : كشف الغِطاء، وتنزل الرحمة، وتحقق المحبة، ولسان الصدق في الكلمة، قال الله تعالى :﴿فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له﴾ الآية). وقال بعض الحكماء : من خالط الناس داراهم، ومن داراهم راءاهم، ومن راءاهم وقع فيما وقعوا، فهلك كما هلكوا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٨
وقال بعض الصوفية : قلت لبعض الأبدال المنقطعين إلى الله : كيف الطريق إلى التحقيق ؟ قال : لا تنظر إلى الخلق، فإن النظر إليهم ظلمة، قلت : لا بد لي، قال : لا تسمع كلامهم، فإن كلامهم قسوة، قلت : لا بد لي، قال : لا تعاملهم، فإن معاملتهم خسران ووحشة، قلت : أنا بين أظهرهم، لا بد لي من معاملتهم، قال : لا تسكن إليهم، فإن السكون إليهم هلكة، قلت : هذا لعله يكون، قال : يا هذا أتنظر إلى اللاعبين، وتسمع كلام الجاهلين، وتعامل البطالين، وتسكن إلى الهلكى، وتريد أن تجد حلاوة الطاعة وقلبك مع الله ؟ ! هيهات... هذا لا يكون أبدًا، ثم غاب عني.
وقال القشيري رضي الله عنه : فأرباب المجاهدات، إذا أرادوا صون قلوبهم عن الخواطر الردية لم ينظروا إلى المستحسنات - أي : من الدنيا -. قال : وهذا أصل كبير لهم
٢٢٩
في المجاهدات في أحوال الرياضة. هـ. وقال في " القوت " : ولا يكون المريد صادقًا حتى يجد في الخلوة من الحلاوة والنشاط والقوة ما لا يجده في العلانية، وحتى يكون أُنسه في الوحدة، وروحه في الخلوة، وأحسن أعماله في السر. هـ.