قلت : العزلة عن الخلق والفرار منهم شرط في بداية المريد، فإذا تمكن من الشهود، وأَنس قلبه بالملك الودود، واتصل بحلاوة المعاني، ينبغي له أن يختلط بالخلق ويربي فكرته ؛ لأنهم حينئذ يزيدون في معرفته ويتسع بهم ؛ لأنه يراهم حينئذ أنوارًا من تجليات الحق، ونوارًا يرعى فيهم، فيجتني حلاوة الشهود، وفي ذلك يقول شيخ شيوخنا المجذوب :
الخَلْقُ نَوارٌ وَأَنا رَعَيْتُ فِيهِمُ
هُمُ الحجَابُ الأكْبَرُ والمَدْخَلُ فيهِمُ
وفي مقطعات الششتري :
عين الزحام
هم الوصول لحيِّنا
وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٨
قلت :﴿نَجِيًّا﴾ : حال من أحد الضميرين في ﴿ناديناه﴾ أو ﴿قربناه﴾، وهو أحسن. و ﴿هارون﴾ : عطف بيان.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿واذكر في الكتاب موسى﴾، قدَّم ذكره على ذكر إسماعيل لئلا ينفصل عن ذكر يعقوب ؛ لأنه من نسله، ﴿إِنه كان مُخْلِصًا﴾ : موحدًا، أخلص عبادته من الشرك والرياء، وأسلم وجهه لله تعالى، وأخلص نفسه عما سواه. وقرئ بالفتح، على أن الله تعالى أخلصه من الدنس. قال القشيري أي : خلصًا لله، لم يكن لغيره بوجهٍ. ثم قال : ولم يُغْضِ في اللهِ على شيءٍ. هـ.
﴿وكان رسولاً نبيًّا﴾ أرسله الله تعالى إلى الخلق فأنبأهم عنه، ولذلك قدَّم رسولاً مع كونه أخص وأعلى، ﴿وناديناه من جانب الطور الأيمن﴾، الطور : جبل بين مصر ومدين، أي : ناديناه من ناحيته اليمنى، وهي التي تلي يمين موسى عليه السلام، فكانت الشجرة في جانب الجبل عن يمين موسى، أو من أيمن، أي : من جانبه الميمون، ومعنى ندائه منه : أنه سمع الكلام من تلك الناحية، ﴿وقربناه نجيًّا﴾ أي : مناجيًا لنا نُكلمه بلا واسطة، فالتقريب : تقريبُ تكرمة وتشريف، مَثَّلَ حاله عليه السلام بحال من قرّبه الملك
٢٣٠
لمناجاته واصطفاه لمصاحبته. وقيل :﴿نجيًا﴾ من النجو، وهو العلو والارتفاع، أي : رفعناه من سماء إلى سماء، حتى سمع صريف القلم يكتب له في الألواح.


الصفحة التالية
Icon