﴿ووهبنا له من رحمتنا﴾ أي : من أجل رحمتنا ورأفتنا به، أو من بعض رحمتنا ﴿أخاه هارون﴾، أي : وهبنا له مؤازرة أخيه ومعاضدته، إجابةً لدعوته :﴿وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي﴾ [طه : ٢٩، ٣٠] لا نفسه ؛ لأنه كان أكبر منه، وُجد قبله، حَال كونه ﴿نبيًّا﴾ : رسولاً مُشْركًا معه في الرسالة. والله تعالى أعلم.
الإشارة : كما وصف الحق تعالى خليله بالصديقية وصف كليمه بالإخلاص، وكلاهما شرط في حصول سر الخصوصية، سواء كانت خصوصية النبوة أو الولاية، فمن لا تصديق عنده لا سير له، ومن لا إخلاص له لا وصول له. وحقيقة الإخلاص : إخراج الخلق من معاملة الحق، وهي ثلاث طبقات ؛ سفلى، ووسطى، وعليا.
فالسفلى : أن يفعل العبادة لله تعالى، طالبًا لعوض دنيوي، كسعة الأرزاق، وحفظ الأموال والبدن، فهذا إخلاص العوام، وإنما كان إخلاصًا لأنهم لم يلاحظوا مخلوقًا في عملهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
والوسطى : أن يعبد الله مخلصًا، طالبًا لعوض أخروي، كالحور والقصور.
والعليا : أن يفعل العبادة قيامًا برسم العبودية، وأدبًا مع عظمة الربوبية، غير ملتفت لجنة ولا نار، ولا دنيا ولا آخرة، مع تعظيم نعيم الجنان، لأنه محل اتصال الرؤية ؛ كما قال ابن الفارض رضي الله عنه :
ليس شوقي من الجنان نعيمًا
غير أني أُريدها لأراكَ
فإذا تحقق للعبد مقام الإخلاص الكامل، صار مقربًا نجيًا في محل المشاهدة والمكالمة. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿واذكر في الكتاب إِسماعيل﴾، فصل ذكره عن أبيه وأخيه ؛ لإبراز كمال الاعتناء بأمره، لإيراده مستقلاً بترجمته، ﴿إِنه كان صادق الوعد﴾، هذا تعليل لموجب الأمر بذكره. وإيراده عليه السلام بهذا الوصف ؛ لكمال شهوته به.


الصفحة التالية
Icon