﴿إِذا تُتلى عليهم آياتُ الرحمن خَرُّوا سُجدًا وبُكيًّا﴾، هذا استئناف ؛ لبيان خشيتهم من الله تعالى وإخباتهم له، مع ما لهم من علو الرتبة وسمو الطبقة في شرف النسب، وكمال النفس والزلفى من الله عزّ وجلّ، أي : إذا تتلى عليهم، آيات الرحمن، إما عند نزولها عليهم، أو بسماعها من غيرهم، لحديث :" أحب أن أسمعه من غيري " ثم بكى ﷺ عند قوله تعالى :﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىا هَـاؤُلااءِ شَهِيداً﴾ [النِّساء : ٤١] فكان الأنبياء عليهم السلام مثله، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا ساجدين وباكين. عن النبي ﷺ قال :" اتْلُوا القُرْآنَ وابْكُوا، فَإِنْ لمْ تَبْكُوا فَتَباكَوْا " وعن عمر رضي الله عنه أنه قرأ سورة مريم، فسجد فيها، فقال :(هذا السجود، فأين البكاء) ؟
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٤
قال بعضهم : ينبغي أن يدعو الساجد في سجوده بما يليق بآيتها، فهاهنا يقول : اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم، المهديين الساجدين لك، الباكين عند تلاوة آياتك. وفي الإسراء يقول : اللهم اجعلني من الخاضعين لوجهك، المسبحين بحمدك، وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك، وهكذا. والذي ورد في الخبر : يقول :" سَجَدَ وَجْهِي للذي خَلَقَه وصوَّره، وشقَّ سمعَه وَبَصَرَه، بحوله وقُوته، اللهم اكتب لي بها أجرًا، وضع عني بها وزرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود عليه السلام ". والله تعالى أعلم.
الإشارة : قد أثنى الله تعالى على هؤلاء السادات المُنعَم عليهم بكونهم إذا سمعوا كلام الحبيب خضعوا ورقَّت قلوبهم، وهو أول درجة المحبة، وفوقه الفرح بكلام الحبيب من مكان قريب، وفوقه الفرح بشهود المتكلم، وهنا ينقطع البكاء ؛ لدخول صاحب هذا المقام جنة المعارف، وليس في الجنة بكاء.