﴿إِلا مَن تاب وآمن وعمل صالحًا﴾، هذا يدل على أن الآية في الكفار. ﴿فأولئك﴾ المنعوتون بالتوبة والإيمان والعمل الصالح، ﴿يدخلون الجنة﴾ بموجب الوعد المحتوم، أو يُدخلهم الله الجنة، ﴿ولا يُظلمون شيئًا﴾ : لا ينقصون من جزاء أعمالهم شيئًا، وفيه تنبيه على أن كفرهم السابق لا يضرهم، ولا ينقص أجورهم، إذا صححوا المعاملة مع ربهم.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٥
جنات عدنٍ﴾ أي : إقامة، لإقامة داخلها فيها على الأبد، ﴿التي وعد الرحمن عبادَه بالغيب﴾ أي : ملتبسين بالغيب عنها لم يروها، وإنما آمنوا بها بمجرد الإخبار، أو ملتبسة بالغيب، أي : غائبة عنهم غير حاضرة. والتعرض لعنوان الرحمانية ؛ للإيذان بأن وعده وإنجازه لكمال سعة رحمته تعالى، ﴿إِنه كان وعده مَأْتِيًّا﴾ ؛ يأتيه من وعُد به لا محالة، وقيل : هو مفعول بمعنى فاعل، أي : آتيًا لا محالة، وقيل : مأتيًا : منجزًا، من أتى إليه إحسانًا، أي : فعله.
٢٣٦
﴿لا يسمعون فيها لغوًا﴾ أي : فضول كلام لا طائل تحته، وهو كناية عن عدم صدور اللغو عن أهلها. وفيه تنبيه على أن اللغو ينبغي للعبد أن يجتنبه في هذه الدار ما أمكنه. وفي الحديث :" مِنْ حُسْنِ إسْلاَمِ المرْءِ تَرَكُهُ ما لا يَعْنِيهِ " وهو عَامٌّ في الكلام وغيره. ﴿إِلا سلامًا﴾، أي : لا يسمعون لغوًا، لكن يسمعون تسليم الملائكة عليهم، أو تسليم بعضهم على بعض، ﴿ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيًّا﴾ أي : على قدرهما في الدنيا، إذ ليس في الجنة نهار ولا ليل، بل ضوء ونور أبدًا. قال القرطبي : ليلهم إرخاء الحجب وإغلاق الأبواب، أي : ونهارهم رفع الحجب وفتح الأبواب.
قال القشيري : الآية ضرب مثل لما عهد في الدنيا لأهل اليسار، والقصد : أنهم أغنياء مياسير في كل وقت. هـ. وسيأتي عند قوله :﴿يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ﴾ [الزّخرُف : ٧١] كيفية أرزاقهم.