قال تعالى :﴿تلك الجنة﴾ : مبتدأ وخبر، جيء بهذه الجملة ؛ لتعظيم شأن الجنة وتعيين أهلها، وما في اسم الإشارة من معنى البُعد ؛ للإيذان ببُعد منزلتها وعلو رتبتها، أي : تلك الجنة التي وُصفت بتلك الأوصاف العظيمة هي ﴿التي نُورث﴾ أي : نورثها ﴿مِنْ عبادنا من كان تقيًّا﴾ لله بطاعته واجتناب معاصيه، أي : نُديمها عليهم بتقواهم، ونمتعهم بها، كما يبقى عند الوارث مال مورثه يتمتع به، والوراثة أقوى ما يستعمل في التملك والاستحقاق من الألفاظ ؛ من حيث إنها لا يعقبها فسخ ولا استرجاع ولا إبطال. وقيل : يرث المتقون من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار، لو آمنوا وأطاعوا، زيادة في كرامتهم. والله تعالى أعلم.
الإشارة : قوله تعالى :﴿فخلف من بعدهم خلف...﴾ الآية تنسحب على من كان أسلافه صالحين، فتنكب عن طريقهم، فضيّع الدين، وتكبر على ضعفاء المسلمين، واتبع الحظوظ والشهوات، وتعاطى الأمور العلويات، فإن ضم إلى ذلك الافتخار بأسلافه، أو بالجاه والمال، كان أغرق في الغي والضلال، يصدق عليه قول القائل :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٥
إن عاهدوك على الإحسان أو وعدُوا
خانوا العهود ولكن بعد ما حلفوا
بل يفخرون بأجداد لهم سلفت
نِعم الجدود ولكن بئس ما خلَّفوا
إلا من تاب ورجع إلى ما كان عليه أسلافه، من العلم النافع والعمل الصالح، والتواضع للصالح والطالح، فيرافقهم في جنة الزخارف أو المعارف، التي وعد الرحمن عباده المخصوصين بالغيب، ثم صارت عندهم شهادة، إنه كان وعده مأتيًا، لا يسمعون فيها لغوًا ؛ لأن الحضرة مقدسة عن اللغو، ﴿إلا سلامًا﴾ ؛ لسلامة صدورهم، ولهم رزقهم
٢٣٧
فيها من العلوم والأسرار والمواهب، في كل ساعة وحين، لا يرث هذه الجنة إلا من اتقى ما سوى الله، وانقطع بكليته إلى مولاه. وبالله التوفيق
ولما أبطأ الوحي عن النبي ﷺ قال :" يا جبريل ما يَمنعُكَ أن تزورنَا أكثرَ مما تَزورنا ؟ ".


الصفحة التالية
Icon