جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٥
قلت : وجه المناسبة لما قبله - والله أعلم - : أن الحق جلّ جلاله لما سرد قصص الأنبياء وما نشأ بعدهم، وكان جبريل هو صاحب وحيهم الذي ينزل به عليهم، ذكر هنا أن نزوله ليس باختياره، فقال :﴿وما نتنزل...﴾ الخ.
يقول الحقّ جلّ جلاله : حاكيًا لقول جبريل عليه السلام :﴿وما نتنزَّلُ﴾ عليك يا محمد ﴿إِلا بأمرِ ربك﴾، وذلك حين أبطأ الوحي عنه ﷺ، لما سئل عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، فلم يدر كيف يجيب، ورجا أن يوحي إليه فيه، فأبطأ عليه أربعين يومًا. قاله عكرمة. وقال مجاهد : ثنتي عشرة ليلة، أو خمس عشرة. فشقَّ على النبي ﷺ مشقة شديدة. وقال :" يا جبريل قد اشتقت إليك، فقال جبريل : إني كنت أَشْوَق، ولكني عبد مأمور، إذا بُعثتُ نزلت، وإذا حُبست احتَبَستُ، فأنزل الله هذه الآية وسورة الضحى "، والتنزل : النزول على مَهَل، وقد يُطلق على مطلق النزول، والمعنى : وما نتنزل وقتًا غِبّ وقتٍ إلا بأمر الله تعالى، على ما تقتضيه حكمته.
وقيل : هو إخبار عن أهل الجنة أنهم يقولون عند دخولها مخاطبين بعضهم لبعض بطريق التبجح والابتهاج، أي : ما نتنزل هذه الجنان إلا بأمر الله تعالى ولطفه، وهو مالك المور كلها، سالفها ومُتَرَقَّبُهَا وحاضرها، فما وجدناه وما نجده هو من لطفه وفضله. هـ. قلت : ولا يخفى حينئذ مناسبته.
ثم قال :﴿له ما بين أيدينا وما خَلْفَنا وما بين ذلك﴾ أي : وما نحن فيه من الأماكن والأزمنة، فلا ننتقل من مكان إلى مكان، ولا ننزل في زمان دون زمان، إلا بأمره ومشيئته، وعن مقاتل :﴿له ما بين أيدينا﴾ من أمر الدنيا ؟ ﴿وما خلفنا﴾ من أمر الآخرة، ﴿وما بين ذلك﴾ مما بين النفختين، وهو أربعين سنة. أو ما بين أيدينا بعد الموت،
٢٣٨