وما خلفنا قبل أن يخلقنا، وما بين ذلك مدة حياتنا، أي : له علم ذلك كله ؟ ﴿وما كان ربك نَسِيًّا﴾ : تاركًا لك ومهملاً شأنك، أو : ذَاهِلاً عنك حتى ينسى أمر الوحي إليك ؛ لأنه مُحال، يعني : أن عدم نزول جبريل لم يكن إلا لعدم الأمر به ؛ لحكمة بالغة فيه، ولم يكن تركه تعالى لك إهمالاً وتوديعًا، كما زعمت الكفرة. وفي إعادة اسم الرب المضاف إلى ضميره ﷺ من تشريفه والإشعار بعلية الحكم ما لا يخفى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٨
وقوله تعالى :﴿ربُّ السماوات والأرض وما بينهما﴾ بيان لاستحالة النسيان عليه تعالى ؛ فإن من بيده ملكوت السماوات والأرض وما بينهما كيف يتصور أن يحوم حول ساحته الغفلة والنسيان. والفاء في قوله :﴿فاعبُده واصطَبِرْ لعبادته﴾ لترتيب ما بعدها على ما قبلها، من كونه تعالى رب السماوات والأرض وما بينهما. أو من كونه تعالى غير تارك له عليه السلام، أو غير ناسٍ لأعمال العاملين، والمعنى على الأول : فحين عرفته تعالى بما ذكر من الربوبية الكاملة فاعبده، أو حين عرفته تعالى لا ينساك، أو : ينسى أعمال العاملين فأقبل على عبادته واصطبر على مشاقها، ولا تحزن بإبطاء الوحي وهزْءِ الكفرة، فإنه يراقبك ويلطف بك في الدنيا والآخرة، ﴿هل تعلم له سَمِيًّا﴾ أي : شبيهًا ونظيرًا، أو هل تعلم أحدًا تسمى بهذا الاسم غير الله العالي، والتسمية تقتضي التسوية بين المتشابهين، ولا مثل له، لا موجودًا ولا موهومًا، مع أن المشركين مع غلوهم في المكابرة لم يسموا الصنم بالجلالة أصلاً، ولم يتجاسر أحد أن يسمي بهذا الاسم، ولو تجاسر أحدٌ لهلك.
وقيل : إن أحدًا من الجبابرة أراد أن يسمي ولده بهذا الاسم، فخف به وبتلك البلدة. ذكره القشيري في التحبير. والله تعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon