قال تعالى :﴿فوربّك لنحشرنهم﴾ أي : لنجمعنهم بالسّوق إلى المحشر بعدما أخرجتهم من الأرض. وإقسامه سبحانه بربوبيته مضافة إلى ضميره - عليه الصلاة والسلام - ؛ لتحقيق الأمر، والإشعار بِعِلِّيَّتِهِ، وتفخيم شأنه، ورفع منزلته ﷺ، وفيه إثبات البعث بالطريق البرهاني على أبلغ وجه وآكده، كأنه أمر واضح غني عن التصريح به، وإنما المحتاج إلى البيان ما بعد ذلك من الأهوال، أي : حيث ذكر الحشر وما بعده. ولم يصرح بنفس البعث ؛ لتحقق وضوحه، وإنما قال :﴿فوربّك لنحشرنهم﴾ أي : نجمعهم ﴿والشياطينَ﴾ المغوين لهم، إلى المحشر، وقيل : إن الكفرة يُحشرون مع قرنائهم من الشياطين التي كانت تغويهم، كل منهم مع شيطانه في سلسلة، ﴿ثم لنحضِرَنَّهم حول جهنم جثيًّا﴾ : باركين على ركَبِهم ؛ لما يدهمُهم من هول المطلع، والجثو : جلسة الذليل الخائف.
والآية كما ترى، صريحة في الكفرة، فهم الذين يُساقون من الموقف إلى شاطئ جهنم، جُثاة ؛ إهانة بهم، أو لعجزهم عن القيام لما اعتراهم من شدة الخوف. وأما قوله تعالى :﴿وَتَرَىا كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً﴾ [الجَاثيَة : ٢٨] فهي عامة للناس في حال الموقف قبل التواصل إلى الثواب والعقاب، فإن أهل الموقف جاثون على الرُّكب، كما هو المعتاد في مقام التفاؤل والخصام، قلت : ولعل هذا فيمن يُناقش الحساب، وأما غيرهم فيلقى عليهم سحابة كنفه، ثم يقررهم بذنوبهم ويسترهم، كما في الحديث.