قلت :﴿ويزيد﴾ : عطف على ﴿فليَمدُد﴾ ؛ لأنه في معنى الخبر، أي : من كان في الضلالة يمده الله فيها، ويزيد في هداية الذين اهتدوا مددًا لهدايتهم، أو عطف على ﴿فسيعلمون﴾، وجمع الضمير في ﴿رَأَوا﴾ وما بعدها ؛ باعتبار معنى ﴿مَنْ﴾، وأفرد أولاً باعتبار لفظها.
٢٤٥
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿مَنْ كان﴾ مستقرًا ﴿في الضلالة﴾ مغمورًا في الجهل والغفلة عن عواقب الأمور، مشتغلاً بالحظوظ الفانية، ﴿فليَمْدُدْ له الرحمنُ مَدَّا﴾ أي : يمد له بطول العمر وتيسير الحظوظ، إما استدراجًا، كما نطق به قوله تعالى :﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوااْ إِثْمَاً﴾ [آل عِمرَان : ١٧٨]، أو قطعًا للمعاذير كما نطق به قوله تعالى :﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّر﴾ [فاطر : ٣٧]، أو :﴿فليمدد له﴾ : يدعه في ضلاله، ويمهله في كفره وطغيانه، كقوله تعالى :﴿وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام : ١١٠]. والتعرّض لعنوان الرحمانية ؛ لبيان أن أفعالهم من مقتضيات الرحمة مع استحقاقهم تعجيل الهلاك.
وكأنه جلّ جلاله لما بيَّن عاقبة الأمم المهلَكة، مع ما كان لهم من التمتع بفنون الحظوظ العاجلة، أمر رسوله ﷺ أن يجيب هؤلاء المفتخرين بما لَهُم من الحظوظ بمآل أمر الفريقين، وهو استدراج أهل الضلالة ثم أخذهم، وزيادة هداية أهل الإيمان ثم إكرامهم، كما بيَّن ذلك بقوله :﴿حتى إِذا رَأوا ما يُوعدون﴾، فهو غاية للحد الممتد، أي : نمد لهم في الحياة وفنون الحظوظ حتى ينزل بهم ما يوعدون ؛ ﴿إِمَّا العذاب﴾ الدنيوي بالقتل، والأسر، وغلبة أهل الإيمان عليهم، ﴿وإِمَّا الساعةَ﴾، وهو يوم القيامة وما ينالهم فيه من الخزي والهوان، و " إما " هنا : لمنع الخُلو، لا لمنع الجمع ؛ فإن العذاب الأخروي لا ينفك عنهم بحال.