والتعرض لعنوان الرحمانية للإشعار بِعِلِّية الرحمة للإيتاء، فإن الرحمة تقتضي الإعطاء على الدوام. والعهد : قيل : كلمة الشهادة، أو العمل الصالح، فإن وعده تعالى بالثواب عليها كالعهد، قال القشيري :﴿أَطَّلَع الغيبَ﴾ فقال بتعريف له منا، ﴿أم اتخذ عند الرحمن عهدًا﴾ أي : ليس الأمر كذلك. ثم قال : ودليل الخطاب يقتضي أن المؤمن إذا أمَّلَ من الله شيئًا جميلاً، فالله تعالى يحققه له ؛ لأنه على عهد مع الله تعالى، والله لا يُخلف الميعاد. هـ.
ثم أبطل ما أمله الكافر فقال :﴿كلا﴾ أي : انزجر عن هذه المقالة الشنيعة، فهو ردع له عن التفوه بتلك العظيمة، وتنبيه على خطئه، قال تعالى :﴿سنكتبُ ما يقول﴾ أي : سنظهر ما كتبنا عليه، فهو كقول الشاعر :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٧
إذَا ما انْتَسَبْنَا لَمْ تَلِدْنِي لَئِيمَةٌ
٢٤٨
أي : تبين أني لم تلدني لَئِيمَةٌ، أو : سنحفظ عليه ما يقول فنجازيه عليه في الآخرة، أو سننتقم منه انتقام من كتب جريمةً في الحال ويجازى عليها في المآل، فإن نفس الكتابة لم تتأخر عن القول لقوله تعالى :﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق : ١٨]، قال ابن جزي : إنما جعله مستقبلاً ؛ لأنه إنما يظهر الجزاء والعقاب في المستقبل. هـ.
قلت : والظاهر إنما أبرزه بصورة المستقبل، تنبيهًا على عدم نسخه، وأنه ماض نافذ. قاله في الحاشية.
﴿ونَمُدُّ له من العذاب مَدًّا﴾، مكان ما يدعيه لنفسه من الإمداد بالمال والأولاد، أي : نطول له من العذاب ونمد له فيه ما يستحقه، أو نزيد في مضاعفة عذابه، لكفره وافترائه على الله سبحانه، واستهزائه بآياته العظام، ولذلك أكده بالمصدر، دلالةً على فرط الغضب والسخط.