يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وقالوا اتخذ الرحمنُ ولدًا﴾ هذه المقالة صدرت من اليهود والنصارى، ومن يزعم من العرب أن الملائكة بنات الله، لعن الله جميعهم، فسبحان الله وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا، فحكى جنايتهم إثر جناية عَبَده الأصنام، وعطف القصة على القصة لاشتراكهم في الضلالة، قال تعالى في شأنهم :﴿لقد جئتم شيئًا إِدًّا﴾ أي : فعلتم أمرًا منكرًا شديدًا، لا يقادر قدره، فهو رد لمقالتهم الباطلة، وتهويل لأمرها بطريق الالتفات المنبئ عن كمال السخط وشدة الغضب، المفصح عن غاية التشنيع والتقبيح، وتسجيل عليهم بغاية الوقاحة والجهل. و ﴿جاء﴾ يستعمل بمعنى فعل، فيتعدى تعديته، والإد - بكسر الهمزة وفتحها، وقُرئ بهما في الشاذ - : العظيم المنكر، الإدُّ : الشدة، قيل : الأدُّ : في كلام العرب : أعظم الدواهي.
٢٥٣
ثم وصفه وبيّن هوله فقال :﴿تكادُ السماواتُ يتفطّرنَ منه﴾ : يتشققن مرة بعد أخرى، من عظم ذلك الأمر وشدة هوله، وهو أبلغ من " ينفطرن " كما قرئ به، ﴿وتنشقُّ الأرضُ﴾ أي : وتكاد تنشق وتذهب، ﴿وتخرُّ الجبالُ﴾ أي : تسقط وتنهدم ﴿هَدًّا﴾ بحيث لا يبقى لها أثر. والمعنى : أن هول تلك الكلمة الشنعاء وعظمها، بحيث لو تصورت بصورة محسوسة، لم يُطق سمعها تلك الأجرام العظام، ولتفتتت من شدة قبحها، أو : إن فظاعتها واستجلاب الغضب والسخط بها بحيث لولا حلمه تعالى، لخر العالم وتبددت قوائمه، غضبًا على من تفوه بها. قال محمد بن كعب : كاد أعداء الله أن يقيموا علينا الساعة، يعني : لأن ما ذكر أوصاف الساعة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٣