الذات بطريق الإبهام، ثم التفسير لزيادة تحقيق وتقرير. وتخصيص خلقهما بالذكر ؛ لتضادهما. وتقديم الأرض لكونه أقرب إلى الحس، ووصف السماوات بالعُلى، وهو جمع " عليا " ؛ لتأكيد الفخامة مع ما فيه من مراعاة الفواصل. وكل ذلك إلى قوله :﴿له الأسماء الحسنى﴾، مسوق لتعظيم المنزل - عزّ وجلّ - المستتبع بتعظيم المنزَّل عليه، الداعي إلى تربية المهابة وإدخال الروعة، المؤدية إلى استنزال المتمردين عن رتبة العتو والطغيان، واستمالتهم إلى الخشية، المفضية إلى التذكير والإيمان.
ثم قال تعالى :﴿الرحمنُ﴾ أي : هو الرحمن، ووصف تعالى بالرحمانية إثر وصفه بالخالقية ؛ للإيذان بأن ربوبيته تعالى، وقيامَه بالأشياء، من طريق الرحمة والإحسان، لا بالإيجاب، وفيه إشارة إلى أن تنزيله القرآن أيضًا من رحمته - تعالى -، كما ينبئ عنه قوله عزّ من قائل :﴿الرَّحْمَـانُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [الرَّحمن : ١، ٢]. أو :﴿الرحمن على العرش استوى﴾ : مبتدأ وخبر، وجعل الرحمة عنوان الموضوع الذي من شأنه أن يكون معلوم الثبوت للموضوع عند المخاطب ؛ للإيذان بأن ذلك أمر بيِّن لا خفاء فيه، غني عن الإخبار صريحًا. والاستواء على العرش مجاز عن المُلك والسلطان، يقال : استوى فلان على سرير الملك ؛ مرادًا به مَلَك الملك والتصرف، وإن لم يقعد على سرير أصلاً، والمراد : تعلق قدرته وقهريته في جميع الكائنات بالتدبير والتصرف التام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٩
وسُئل أحمد بن حنبل عن الاستواء، فقال : استواء مَنْ غَلَبَ وقهر، لا استواء كما يتوهم البشر. وسئل عنه مالك والشافعي - رضي الله عنهما - فقالا : الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والإيمان به واجب، والسؤال عن هذا بدعة وضلالة، آمنوا بلا تشبيه، وصدّقوا بلا تمثيل، وأمسكوا عن الخوض في هذا كل الإمساك.


الصفحة التالية
Icon