وقوله تعالى :﴿الرحمنُ على العرش استوى﴾، تفسيرها هو الذي قصد ابن عطاء الله في الحِكَم بقوله :" يا من استوى برحمانيته على عرشه، فصار العرش غيبًا في رحمانيته، كما صارت العوالم غيبًا في عرشه، مَحَقْتَ الآثار بالآثار، ومحوت الأغيار بمحيطات أفلاك الأنوار. وأنت خبير بأن الرحمانية وصف لازم للذات، والصفة لا تفارق الموصوف، فإذا استوت الرحمانية على العرش وغمرته ؛ فقد استوت عليه أسرار الذات وغمرته، وهي أفلاك الأنوار التي أحاطت بالعرش والآثار، ومحت كل شيء، حتى لم يبق إلا الذي ليس كمثله شيء، وليس معه شيء، وهو السميع البصير. وما نسبة حس الآثار بالنسبة إلى أفلاك الأسرار التي استوت عليه إلا كالهباء في الهواء. والله تعالى أعلم وأعظم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٩
قلت : قال القشيري : أجرى الله سنته في كتابه أن يذكر قصة موسى في أكثر المواضع التي يذكر فيها حديث نبينا - عليه الصلاة والسلام - يتبعه بذكر موسى، تنبيهًا على علو شأنه، لأنه كما أن التخصيص بالذكر يدل على شرف المذكور، فالتكرير في
٢٦٣
التفصيل يوجب التفضيل، في الوصف ؛ لأن القضية الواحدة إذا أعيدت مرارًا كثيرة كانت في باب البلاغة أتم، ولا سيما في كل مرة فائدة زائدة. هـ.
قلت : ولعل وجه تناسقهما في الذكر قرب المنزلة، ومشاركة الصفة، وذلك باعتبار المعالجة وهداية الأمة، فإن أمة موسى عليه السلام كانت انتشرت فلم يقع لنبي هداية على يديه لقومه مثله، إلا لنبينا - عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم - فإن أمته انتشرت وشاعت مسير الشمس والقمر، وفي حديث البخاري ما يدل على هذا، حين عرضت عليه الأمم ﷺ مرة، فرأى أمة موسى عليه السلام كثيرة، ثم رأى أمته قد سدت الأفق. فانظر لفظه فيه.


الصفحة التالية
Icon