وقال أبو السعود : المناسبة إنما هي تقرير أمر التوحيد الذي إليه انتهى مَسَاق الحديث، وبيان أنه مستمر فيما بين الأنبياء، كابرًا عن كابر، وقد خوطب به موسى عليه السلام، حيث قيل له :﴿إِنني أنا الله لا إِله إِلا أنا فاعبدني﴾، وبه ختم عليه السلام مقاله، حيث قال :﴿إِنَّمَآ إِلَـاهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لاا إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ﴾ [طه : ٩٨]، ثم ردَّ مناسبة التسلية بأن مساق النظم الكريم إنما هو لصرفه عليه السلام عن اقتحام المشاق. فانظره. و ﴿هل﴾ : لفظة استفهام، والمراد به التشويق لما يخبره به، أو التنبيه. و ﴿إذ رأى﴾ : ظرف للحديث ؛ لأن فيه معنى الفعل، أو لمضمر مؤخر، أي : حين رأى كان كيت وكيت، أو : لاذكر، أي : اذكر وقت رؤيته... الخ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٣
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿وهل أتاك حديثُ موسى﴾ : أي : قصته في معالجة فرعون، فإنا سنذكرها لك تسلية وتقريرًا لأمر التوحيد، ﴿إِذْ راى نارًا﴾ تلمع في الوادي، وذلك أنه عليه السلام استأذن شعيبًا عليه السلام في الخروج إلى أمه وأخيه، فخرج بأهله، وأخذ على غير الطريق، مخافةً من ملوك الشام، فلما وافى وادي طُوى، وهو بالجانب الغربي من الطور، وُلد له ولد في ليلة مظلمة شاتية مثلجة، وكانت ليلة الجمعة، وقد ضل عن الطريق، وتفرقت ماشيته، ولا ماء عنده، فقدحَ النار فلم تُورِ المِقْدَحة.
فبينما هو في ذلك ﴿إِذْ رأى نارًا﴾ على يسار الطريق من جانب الطور، ﴿فقال لأهله امكثوا﴾ أي : أقيموا مكانكم. أمرهم عليه السلام بذلك ؛ لئلا يتبعوه، كما هو المعتاد من النساء. والخطاب للمرأة والخادم والولد، وقيل : لها وحدها، والجمع للتعظيم، ﴿إِني آنستُ﴾ أي : أبصرت ﴿نارًا﴾، وقيل : الإيناس خاص بإبصار ما يُؤنس به. ﴿لعلّي آتيكم منها بقَبَس﴾ أي : بشعلة مقتبسة من معظم النار، وهو المراد بالجذوة في سورة القصص، وبالشهاب
٢٦٤


الصفحة التالية
Icon