القبس، ﴿أو أجدُ على النار هُدىً﴾ ؛ هاديًا يدلني إلى الطريق، فهو مصدر بمعنى الفاعل، و ﴿أوْ﴾ في الموضعين : لمنع الخلو، لا لمنع الجمع ؛ إذ يمكن أن يقتبس من النار ويجد هاديًا. ومعنى الاستعلاء في قوله :﴿على النار﴾ ؛ لأن أهلها يستعلون عليها عند الاصطلاء، ولما كان الإيتاء بها غير محقق، صدَّر الجملة بكلمة الترجي.
﴿فلما أتاها﴾ أي : النار التي آنسها. قال ابن عباس رضي الله عنه : رأى شجرة خضراء، حفت بها، من أسفلها إلى أعلاها، نارٌ بيضاء، تتَقِدُ كأضوء ما يكون، فوقف متعجبًا من شدة ضوئها، رُوي أن الشجرة كانت عوسجة، وقيل : سَمُرَة... بينما هو ينظر، ﴿نُودي﴾ فقيل :﴿يا موسى إِني أنا ربك﴾، أو بأني أنا ربك، وتكرير الضمير ؛ لتأكيد الدلالة، وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة. يروى أنه لما نودي يا موسى، قال عليه السلام : مَن المتكلم ؟ فقال الله عزّ وجلّ :﴿أنا ربك﴾، فوسوس إليه الخاطر : لعلك تسمع كلام شيطان، قال : فلما قال :﴿إنني أنا﴾، عرفت أنه كلام الله عزّ وجلّ. قيل : إنه سمعه من جميع الجهات بجميع الأعضاء.
ثم قال له :﴿فاخلع نعليك﴾ ؛ لأنه أليق بحسن الأدب، ومنه أخذ الصوفية - رضي الله عنهم - خلع نعالهم بين يدي المشايخ والأكابر، وقيل : ليباشر الوادي المقدس بقدميه، ومنه يؤخذ تعظيم المساجد، بخلعها ولو طاهرة، وقيل : إن نعليه كانتا من جلد حمار غير مدبوغ. وقيل : النعلين : الكونين، أي : فرغ قلبك من الكونين إن أردت دخول حضرتنا. وقوله تعالى :﴿إِنك بالوادِ المقدَّس﴾ : تعليل لوجوب الخلع، وبيان لسبب ورود الأمر بذلك. رُوي أنه عليه السلام خلعهما وألقاهما وراء الوادي، و ﴿طُوى﴾ : بدل من الوادي، وهو اسم له. وقُرئ منونًا ؛ لتأوله بالمكان، وغير المنون ؛ لتأوله بالبقعة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٣


الصفحة التالية
Icon