وأنا اخترتُك} أي : اصطفيتُكَ للنبوة والرسالة، وقرأ حمزة :﴿وإنَّا اخترناك﴾ بنون العظمة، ﴿فاستمع لما يُوحى﴾ أي : للذي يُوحى إليك، أو لوحينا إليك، وهو :﴿إِنني أنا الله لا إِله إِلا أنا﴾، فالجملة بدلَ من " ما ". ﴿فاعبدني﴾ ؛ أَفردني بالعبادة والخضوع، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن اختصاص الألوهية به سبحانه من موجبات تخصيص العبادة به تعالى. ﴿وأقم الصلاة لذكري﴾ : لتذكرني فيها ؛ لاشتمالها على الأذكار، وأُفردت بالذكر، مع اندراجها في الأمر بالعبادة ؛ لفضلها على سائر العبادات ؛ لما نيطت به من ذكر المعبود، وشغل القلب واللسان بذكره، فإنَّ الذكر كما ينبغي لا يتحقق إلا في ضمن العبادة.
أو ﴿لذكري﴾ : لإخلاص ذكري وابتغاء وجهي، بحيث لا تُرائي بها غيري. وقيل : لذكري إياها، وأمري بها في الكتب، أو لأن أذكرك فيها بالمدح والثناء، وقيل : لأوقات
٢٦٥
ذكري، وهي مواقيت الصلوات، وقيل : لذكر صلاتي إذا نسيتها، لما رُوِيَ أنه عليه الصلاة والسلام قال :" مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَة، أَوْ نَسِيَها، فَلْيُصلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا ؛ لأنَّ الله تَعالى يَقُول :" وأقم الصلاة لذكري " قال بعضهم : أصول العمل ثلاثة : أقوال وأفعال وأحوال، فأفضل الأقوال : لا إله إلا الله، وأفضل الأفعال : الصلاة لله أو بالله، وأفضل الأحوال : الطمأنينة بشهود الله.
﴿إِن الساعة آتيةٌ﴾ : كائنة لا محالة، وهو تعليل لوجوب العبادة وإقامة الصلاة، وإنما عبَّر بالإتيان ؛ تحقيقًا لحصولها، بإبرازها في معرض أمر محقق متوجه نحو المخاطبين. ﴿أكادُ أُخفيها﴾ أي : لا أظهرها، بأن أقول : آتية فقط، فلا تأتي إلا بغتة، أو أكاد أظهرها بإيقاعها، مِنْ أخفاه، إذا أظهره، فأخفى - على هذا - من الأضداد. وردّه ابن عطية، فإن الذي بمعنى الظهور هو :" خفى " ؛ الثلاثي، لا " أخفى ". وقال الزمخشري : قد جاء في بعض اللغات : أخفى بمعنى خفى، أي : ظهر، فلا اعتراض.