جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٨
وكأنه عليه السلام فهم أن المقصود من السؤال بيان حقيقتها، وتفصيل منافعها بطريق الاستقصاء، فلذلك أطنب في كلامه، فلما بدت منها خوارق بديعة عَلِمَ أنها آية باهرة ومعجزات قاهرة، وأيضًا : الإطناب في مناجاة الأحباب محمود.
﴿قال﴾ له تعالى :﴿ألْقِهَا يا موسى﴾ لترى من شأنها ما لم يخطر ببالك، قيل : إنما أُمِر بإلقائها ؛ قطعًا للسكون إليها، لِمَا كان فيها من المآربِ، وبالغ الحق تعالى في ذلك بقلبها حية، حتى خاف منها، وحين قطعه عنها، وأخرجها من قلبه، بالفرار منها ردها إليه بقوله :﴿خذها ولا تخف﴾ ؛ ﴿فألقاها﴾ على الأرض ﴿فإِذا هي حيةٌ تَسْعَى﴾، رُوي أنه عليه السلام ألقاها فانقلبت حية صفراء، في غلظ العصا، ثم انتفخت وعظمت، فلذلك شبهت بالجان تارة، وبالثعبان مرة أخرى، وعبَّر عنها هنا بالاسم العام للحالين، وقيل : انقلبت من أول الأمر ثعبانًا، وهو أليق بالمقام، كما يفصح عنه قوله عزّ وجلّ :﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ﴾ [الأعرَاف : ١٠٧]، وإنما سميت بالجان في الجلادة وسرعة المشي، لا في صغر الجثة. وقيل : الجان عبارة عن ابتداء حالها، والثعبان عن انتهائه.