﴿قال﴾ تعالى :﴿خُذها﴾ يا موسى، ﴿ولا تخفْ﴾، قال ابن عباس رضي الله عنه : انقلبت ثعبانًا ذَكَرًا، يبتلع كل شيء من الصخر والشجر، فلما رآه كذلك خاف ونفر، ولحقه ما يلحق البشر عند مشاهدة الأهوال من الخوف والفزع، إذ لا يلزم من ثبوت الخصوصية عدم وصف البشرية. ﴿سنعيدُها سِيرَتَها الأولى﴾ أي : سنعيدها، بعد الأخذ، إلى حالتها الأولى التي كانت عليها عصًا، قيل : بلغ عليه السلام عند ذلك من الثقة وعدم الخوف إلى حيث كان يدخل يده في فمها، ويأخذ بلَحْيَيْهَا. فلما أخذها عادت عصًا، وحكمة قلبها وأخذها هنا ؛ ليكون معها على ثقة عند مخاصمة فرعون، وطمأنينةٍ من أمره، فلا يعتريه شائبة دهش ولا تزلزل. والسيرة : فعلة من السير، يجوز بها إلى الطريقة والهيئة، وانتصابها على نزع الخافض.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٨
ثم أراه معجزة أخرى، فقال :﴿واضممْ يدكَ إِلى جناحك﴾ أي : أدخلها تحت عضدك، فجناح الإنسان : جنباه، مستعار من جناح الطير، ﴿تخرجْ بيضاءَ﴾ : جواب الأمر، أي : إن أدخلتها تخرج بيضاء شعاعية، ﴿من غير سُوءٍ﴾ أي : حال كونها كائنة من غير عيب بها ؛ كبرص ونحوه. رُوي أنه عليه السلام كان آدم اللون، فأخرج يده من مدرعته بيضاء، لها شعاع كشعاع الشمس، تضيء حال كونها ﴿آيةً أخرى﴾ أي : معجزة أخرى غير العصا، ﴿لنُرِيَك من آياتنا الكبرى﴾ أي : فعلنا ما فعلنا، لنريك بعض أياتنا العظمى، أو : لنريك الكبرى من آياتنا. قال ابن عباس :" كانت يد موسى أكبر آياته ". والله تعالى أعلم.
٢٦٩