الإشارة : يقال للفقير : وما تلك بيمينك أيها الفقير ؟ فيقول : هي دنياي أعتمد عليها في معاشي وقيام أموري، وأُنفق منها على عيالي، ولي فيها حوائج أخرى ؛ من الزينة والتصدق وفعل الخير، فيقال له : ألقها من يدك أيها الفقير، واخرج عنها، أو أخرجها من قلبك إن تيسر ذلك مع الغيبة عنها، فألقاها وخرج عنها، فيلقيها، فإذا هي حية كانت تلدغه وتسعى في هلاكه وهو لا يشعر. فلما تمكن من اليقين، وحصل على غاية التمكين، قيل له : خذها ولا تخف منها، حيث رفضت الأسباب، وعرفت مسبب الأسباب، فاستوى عندك وجودها وعدمها، ومنعها وإعطاؤها، سنعيدها سيرتها الأولى، تأخذ منها مأربك، وتخدمك ولا تخدمها. يقول الله تعالى :" يا دنياي، اخدمي من خدمني، وأتبعي من خدمك ". وأما قوله تعالى : في حديث آخر مرفوعًا :" تمرري على أوليائي ولا تحلو لهم فتفتنهم عني "، فالمراد بالمرارة : ما يصيبهم من الأهوال والأمراض وتعب الأسفار، وإيذاء الفجار وغير ذلك. وقد يلحقهم الفقر الظاهر شرفًا لهم، لقوله ﷺ :" الفقر فخري وبه أفتخر "، أو كما قال عليه السلام إن صح. وقال شيخنا البوزيدي رضي الله عنه : الحديث الأول : في الصالحين المتوجهين من أهل الظاهر، والثاني - يعني تمرري... الخ - في الأولياء العارفين من أهل الباطن. هـ. ويقال له أيضًا - إن تجرد وألقى الدنيا من يده وقلبه - : اضمم يدَ فكرتك إلى قلبك، تخرج بيضاء نورانية صافية، لا تخليط فيها ولا نقص، هي آية أخرى، بعد آية التجريد والصبر على مشاقه.
وقال في اللباب : اليد : يدَ الفكر، والجيب : جيب الفهم، وخروجها بيضاء بالعرفان. هـ. قال الورتجبي : أرى الله موسى من يده أكبر آية، وذلك أنه ألبس أنوار يد قدرته يد موسى، فكان يَدُ موسى يدَ قدرة الله، من حيث التخلق والاتصاف، كما في حديث :" كنت له سمعًا وبصرًا ولسانًا ويدًا " هـ. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٨
٢٧٠