قلت :﴿هارون﴾ : مفعول أول، و ﴿وزيرًا﴾ : مفعول ثان، قُدّم ؛ اعتناء بشأن الوزارة، و ﴿لِي﴾ : صلة، لا جعل، أو متعلق بمحذوف ؛ حال من ﴿وزيرًا﴾ ؛ لأنه صفة له في الأصل. و ﴿من أهلي﴾ : إما صفة وزيرًا، أو صلة لا جعل، وقيل : إن ﴿لي وزيرًا﴾ : مفعولاً اجعل، و ﴿هارون﴾ : عطف بيان لوزير. و ﴿أخي﴾ في الوجهين : بدل من هارون، أو عطف بيان آخر.
يقول الحقّ جلّ جلاله : لنبيه موسى عليه السلام :﴿اذهبْ إِلى فرعونَ﴾ بما رأيته من الآيات الكبرى. وادعه إلى عبادتي وحدي، وحذره من نقمتي، ﴿إِنه طغى﴾ أي : جاوز الحد في التكبر والعتو والتجبر، حتى تجاسر على دعوى الربوبية. ﴿قال﴾ موسى عليه السلام مستعينًا بربه عزّ وجلّ :﴿ربِّ اشرح لي صدري﴾ أي : وسعه حتى لا يضيق بحمل أعباء الرسالة، ﴿ويسِّرْ لي أمري﴾ أي : سهِّله حتى لا يصعب عليَّ شيء أقصده. والجملة استئنافية بيانية، كأن سائلاً قال : فماذا قال عليه السلام، حين أُمر بهذا الأمر الخطير والخطب العسير ؟ فقيل : قال رب اشرح لي صدري... الخ.
كأنه، لما أُمر بهذا الخطاب الجليل، تضرع إلى ربه الجليل، وأظهر عجزه وضعفه، وسأل ربه تعالى أن يوسع صدره، ويَفْسَح قلبه، ويجعله عليمًا بشؤون الناس وأحوالهم، حليمًا صفوحًا عنهم، ليلتقي ما عسى أن يرد عليه من الشدائد والمكاره، بجميل الصبر وحسن الثبات، فيلقاها بصدر فسيح، وجأش رابط، وأن يسهل عليه مع ذلك أمره، الذي هو أجلّ الأمور وأعظمها، وأصعب الخطوب وأهولها بتيسير الأسباب ورفع الموانع. وفي زيادة كلمة ﴿لي﴾، مع انتظام الكلام بدونها، تأكيد لطلب الشرح والتيسير ؛ بإبهام المشروح والميسّر أولاً، ثم تفسيرهما ثانيًا، وفي تقديمهما وتكريرهما : إظهار مزيد اعتناء بشأن كل من المطلوبين، وفضل اهتمام باستدعاء حصولهما.


الصفحة التالية
Icon