ونذكرك كثيرًا، بحيث لا نفتر عن ذكرك بالقلب أو الروح أو السر، إنك كنت بنا بصيرًا. قال الورتجبي : قوله تعالى :﴿اذهب إلى فرعون...﴾ الخ، لما علم موسى مراد الحق منه بمكابدة الأعداء، والرجوع من المشاهدة إلى المجاهدة، سأل من الحق شرح الصدر، وإطلاق اللسان، وتيسير الأمر، ليطيق احتمال صحبة الأضداد ومكابدتهم. ثم قال : فطلب قوةَ الإلهية وتمكينًا قادريًا بقوله :﴿ربِّ اشرح لي صدري﴾، عرف مكان مباشرة العبودية أنها حق الله، وحق الله في العبودية مقام امتحان، وفي الامتحان حجاب عن مشاهدة الأصل، فخاف من ذلك، وسأل شرح الصدر، أي : إذا كنتُ في غين الشريعة عن مشاهدة غيب الحقيقة، اشرح صدري بنور وقائع المكاشفة، حتى لا أكون محجوبًا بها عنك. ألا ترى إلى سيد الأنبياء والأولياء صلوات الله عليه، كيف أخبر عن ذلك الغين، وشكى من صحبة الأضداد في أداء الرسالة، بقوله :" إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم سبعين مرة ". هـ. وفيه مقال، إذ هو غين أنوار لا غين أغيار، فتأمله. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٠
قلت :﴿مرة﴾ : منصوب على الظرفية الزمانية، وأصله : فعلة، من المرور، اسم للمرور الواحد، ثم شاع في كل فرد واحد من أفراد أمثاله، ويقرب منها الكرة والرجعة. و ﴿إِذْ﴾ : ظرف لمننّا، و ﴿أنِ اقذفيه﴾ : مفسرة، أو مصدرية، و ﴿يأخذه﴾ : جواب " أن اقذفيه ". و ﴿لتُصنع﴾ : متعلق بألقيتُ، عطف على علة مضمرة، أي : ليتعطف عليك ولتربى على حفظي ورعايتي. و ﴿إذ تمشي﴾ : ظرف ﴿لتصنع﴾ على أن المراد وقت مشيها إلى بيت فرعون، وما يترتب عليه من القول والرجع إلى أمه.


الصفحة التالية
Icon