قال تعالى :﴿فرَجَعْناك إِلى أمك﴾ ؛ وفاء بعهدنا، ﴿كي تقرَّ عينُها﴾ بلقائك، ﴿ولا تحزن﴾ أي : ولا يطرأ عليها حزن بفراقك بعد ذلك، ﴿وقتلتَ﴾ بعد ذلك ﴿نفسًا﴾، وهي نفس القبطي الذي استغاثه الإسرائيلي عليه. قال كعب : كان إذ ذاك ابن ثنتي عشرة سنة، ﴿فنجيناك من الغَمِّ﴾ أي : غم قتله، خوفًا من عقاب الله تعالى بالمغفرة، ومن اقتصاص فرعون، بوحينا إليك بالمهاجرة، ﴿وفتناك فتونًا﴾ أي : ابتليناك ابتلاءً عظيمًا، وخلصناك مرة بعد أخرى، حتى صَلَحْتَ للنبوة والرسالة، وهو تحمل ما ناله في سفره من الهجرة عن الوطن، ومفارقة الأحباب، والمشي راجلاً، وفقد الزاد، بعد ما خلصه من الذبح، ثم من البحر، ثم من القصاص بالقتل. وسُئل عنها ابن عباس، فقال : خلَّصناك من محنة بعد محنة، ولد في عام كان يقتل فيه الغلمان، فهذه فتنة، وألقته أمه في البحر، وهمّ فرعون بقتله، وقتل قبطيًا، وأجَرَّ نَفسه عشر سنين، وضل الطريق، وتفرقت غنمه في ليلة مظلمة، فكل واحدة من هذه فتنة. هـ. لكن الذي يقتضيه النظم الكريم أن لا تعد إجارته نفسه وما بعدها من الفتون ؛ لأن المراد : ما وقع له قبل وصوله إلى مدين، بدليل قوله تعالى :﴿فلبثتَ سنينَ في أهل مَدْيَنَ﴾، إذ لا ريب أن الإجارة وما بعدها كانت بعد وصوله إلى مدين، أي : لبثت عشر سنين في أهل مدين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣
وقال وَهْب : لبث عند شعيب ثمانيًا وعشرين سنة، عشرًا منها في مهر امرأته صفراء بنت شعيب، وثماني عشرة أقام عنده حتى وُلد له. وأشار باللبث في مدين، دون الوصول إليها، إلى ما أصابه في تضاعيفها، من فنون الشدائد والمكاره، التي كل واحد منها فتنة. و " مدين " : بلدة شعيب عليه السلام، على ثماني مراحل من مصر، ولم تبلغها مملكة فرعون، خوفًا على نفسه من هيبة النبوة أو يصيبه ما أصاب مَنْ خالفه.


الصفحة التالية
Icon