الإشارة : قال قد أوتيت سؤلك أيها الفقير، حيث وصلناك إلى من يأخذ بيدك، ويُرشدك إلى ربك ويُربيك. ولقد مننا عليك مرة أخرى، حيث أنشأناك بين أبوين مسلمين، فقذفناك في تابوت الإسلام، ثم في نهر الإيمان، ثم رميناك في بحر العرفان، وألقينا عليك محبة منا، فأحببناك وأحببتنا، وألقينا محبتك في قلوب عبادنا، فتربيت في حفظنا ورعايتنا، فلما فارقتَ الأوطان وهجرت الإخوان، في طلب تحقيق العرفان، رددناك إليهم بعد التمكين، لتنهضهم إلى الله، فتقرّ أعينهم بطاعة رب العالمين، وقتلت نفسًا كانت تحجبك عن ربك، فنجيناك من غم الحجاب، وأخرجناك من سجن الأكوان، إلى فضاء الشهود والعيان، وفتناك بمجاهدة نفسك فتونًا عظامًا، فتنة الفقر، ثم فتنة الذل، ثم فتنة هجر الأوطان، حتى تخلصت من حبس الأكوان، وجئت إلينا على قدر قدرناه لك، ووقت عيناه لفتحك، فاصطنعتك لنفسي، واجتبيتك لحضرتي بسابق عنايتي، من غير حول منك ولا قوة، فعِنايتنا فيك سابقة، فأين كنت حين واجهتك عنايتنا، وقابلتك رعايتنا ؟ لم يكن في أزلنا إخلاص أعمال، ولا وجود أحوال، بل لم يكن هناك إلا محض الإفضال ووجود النوال، كما في الحكم. وأنشدوا :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣
فَلاَ عَمَلٌ مِنِّي إِلَيْك اكْتَسبْته
سِوَى مَحْضِ فَضْلٍ لا بِشَئ يُعَلَّلُ
وقال آخر :
قَدْ كُنْتُ أَحْسِبُ أنَّ وَصْلَكَ يُشْتَرَى
بَنَفائِسِ الأَمْوَالِ والأرْباحِ
وَظَنَنْتُ جَهْلاً أنَّ حُبَّكَ هَيِّنٌ
تُفْنَىَ عَلَيْه كَرَائِمُ الأرْوَاحِ
حَتَّى رَأَيْتُكَ تَجتبي وَتَخُصُّ مَنْ
تَخْتارُهُ بلَطَائِفِ الإِمْنَاحِ
فَعَلِمْتُ أنَّكَ لا تُنالُ بِحيلَةٍ
فَلَوَيْتَ رَأسِي تحت طَيِّ جَنَاحِ
وَجَعَلْتُ في عُشِّ الغَرَامِ إِقَامَتِي
أبدًا وفيه تَوطُني ورَوَاحِ
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٣


الصفحة التالية
Icon