جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٦
قلت :﴿خَلْقَه﴾ : يحتمل أن يكون اسمًا بمعنى المخلوق، فيكون مفعولاً أولاً، و ﴿كل شيء﴾ : مفعولاً ثانيًا، أو يكون مصدرًا بمعنى الخلقة، فيكون مفعولاً ثانيًا، أي : أعطى كل شيء خِلقتَه وصُورته التي هو عليها.
٢٧٩
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿قال﴾ فرعونُ في جواب موسى، لما أتاه مع أخيه وبلغا الرسالة، وقالا له ما أمرهما به ربهما، وإنما حذفه للإيجاز، وللإشعار بأنهما لما أُمرا بذلك سارعا إلى الامتثال من غير تلعثم، أو بأن ذلك من الظهور بحيث لا حاجة إلى التصريح به، فقال لهما فرعون :﴿فمن ربكما يا موسى﴾ ؟ لم يضف الرب إلى نفسه ؛ لغاية عتوه وطغيانه، بل أضافه إليهما، وفي الشعراء :﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشُّعَرَاء : ٢٣]، والجمع بينهما تَعدد الدعوة، ففي كل مرة حكى لنا ما قال. وتخصيص النداء بموسى، مع توجيه الخطاب إليهما ؛ لأنه الأصل في الرسالة، وهارون وزيره.
﴿قال﴾ موسى عليه السلام مجيبًا له :﴿ربُنا الذي أعطى كُلَّ شيءٍ خلقه﴾ أي : ربنا هو الذي أعطى كل شيء خلقه، أي : مخلوقاته ؛ مما يحتاجون إليه ويرتفقون به في قوام أبدانهم ومعايشهم، أو أعطى كل شيء خِلْقته وصُورته التي يختص بها، ولم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان. ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرًا. أو أعطى كل شيء فعله وتصرفه، فاليد للبطش، والرجل للمشي، واللسان للنطق، والعين للنظر، والأذن للسمع، أو أعطى كل شيء شكله من جنسه، للإنسان زوجةً، وللبعير ناقةً، وللفرس رَمْكةً، وللحمار أتَانًا. ﴿ثم هَدى﴾ إلى طريق الانتفاع والارتقاء، بما أعطاه وعرفه كيف يتوصل إلى بقائه وكماله، فألهمه الرضاع والأكل والشرب والجماع، وطلب الرعي وتوفي المهالك، وكيف يأتي الذكرُ الأنثى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٩


الصفحة التالية
Icon