ثم تخلص إليه ؛ حيث قال : بطريق الحكاية عن الله عزّ وجلّ، أو من كلامه عليه السلام :﴿الذي جعل لكمُ الأرضَ مهادًا﴾ أي : كالمهد تتمهدونها بالسكن والقرار، أي : جعل كل موضع منها مهدًا لكل واحد منكم. ﴿وَسَلَكَ لكم فيها سُبُلاً﴾ أي : طُرقًا تتوصلون بها من قطر إلى قطر، لتقضوا منها مآربكم، وتنتفعوا بمرافقها ومنافعها، ووسطها بين الجبال والأودية لتعرف أمارات سُبلها. ﴿وأنزل من السماء ماءً﴾ هو المطر، ﴿فأخرجنا به﴾، يحتمل أن يكون من كلام الله، وما قبله من كلام موسى، أو كله من كلام الله تعالى، حكاه موسى عليه السلام، وإنما التفت إلى التكلم ؛ للتنبيه على ظهور ما فيه من الدلالة على كمال القدرة والحكمة، والإيذان بأنه لا يتأتى إلا من قادر مطاع عظيم الشأن، أي : فأخرجنا بذلك الماء ﴿أزواجًا﴾ : أصنافًا، سميت أزواجًا ؛ لازدواجها، واقتران بعضها ببعض، كائنة ﴿من نباتٍ شتى﴾ : متفرقة، جمع شتيت : أي : متفرق، وهو، في الأصل، مصدر، يستوي فيه الواحد والجمع، يعني : أنها مختلفة في الشكل واللون والطعم والرائحة والنفع، وبعضها صالح للناس على اختلاف صلاحها لهم، وبعضها للبهائم. ومن تمام نعمته تعالى أن أرزاق عباده، لمَّا كان تحصيلها بعمل الأنعام، جعل عَلفَها مما يفضل عن حاجتهم، ولا يليق بكونه طعامًا لهم، وهو معنى قوله :﴿كُلوا
٢٨١
وارْعَوا أنعامكم﴾، والجملة : حالٌ، على إرادة القول، أي : أخرجنا منها أصناف النبات، قائلين : كلوا وارعوا أنعامكم، آذنين في ذلك لكم.