وقوله :﴿فما بال القرون الأولى...﴾ الآية، فيه زجر للمريد عن الاشتغال بالحكايات الماضية، لأن في ذلك شُغُلاً عن الله، إلا ما كان فيه زيادة إلى الله، فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم. وقوله تعالى :﴿الذي جعل لكم الأرض مهادًا﴾ أي : جعل أرض النفوس مهادًا للقيام برسم العبودية، وسلك فيها سبلاً توصل إلى مشاهدة الربوبية، لمن سلكها بالرياضة والمجاهدة، وأنزل من سماء الملكوت ماء الواردات الإلهية، تحيا به الأرواح، فتخرج أصنافًا من العلوم والحكم شتى، كُلوا برعي القلوب في نِوار تجلياتها، وارعوا لقوت أشباحكم من ثمار حسياتها، إن في ذلك لآيات لأولي النُهى. ﴿منها خلقناكم﴾ : من أرض نفوسكم أخرجناكم، بشهود عظمة الربوبية، وفيها نُعيدكم ؛ للقيام برسم العبودية، ومنها نُخرجكم ؛ لتكونوا لله، لا لشيء دونه. أو منها خلقناكم، أي : أخرجناكم من شهود ظلمتها إلى نور خالقها، بالفناء عنها، وفيها نُعيدكم بالرجوع إلى الأثر في مقام البقاء، ﴿ومنها نُخرجكم تارة أخرى﴾ ؛ بعقد الحرية في مقام البقاء، فتكونوا عبيدًا شُكَّرًا. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٩
قلت :﴿موعدًا﴾ : مصدر، مفعول أول لـ ﴿اجعل﴾. و ﴿مكانًا﴾ : مفعول بفعل محذوف، أي : تعدنا مكانًا سُوى، لا بموعد، لأنه وصف، ويجوز نصبه على إسقاط الخافض، و ﴿يوم الزينة﴾ : على حذف مضاف، أي : مكان يوم الزينة، و ﴿أن يحشر﴾ : عطف على يوم، أو الزينة.
يقول الحقّ جلّ جلاله :﴿ولقد أريناه﴾ أي : فرعون، ﴿آياتنا﴾، حين قال له :{فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَىا عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ
٢٨٣