وإهلاكهم بالكلية، حتى لا يميل أحد إليه، ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىا أَمْرِهِ﴾ [يوسف : ٢١]. وسمى ما أظهره عليه السلام من المعجزة الباهرة سحرًا، ثم ادعى أنه يعارضه، حيث قال :﴿فَلنَأْتينك بسحرٍ مثله﴾ أي : وإذا كان الأمر كذلك، فوالله لنأتينك بسحر مثل سحرك، ﴿فاجعلْ بيننا وبينك موعدًا﴾ أي : وعدًا ﴿لا نُخلفه﴾ أي : لا نخلف ذلك الوعد، ولا نجاوزه ﴿نحنُ ولا أنت﴾، بل نجتمع فيه وقت ذلك الموعد، وإنما فوض اللعينُ أمرَ الوعد إلى موسى عليه السلام ؛ للاحتراز عن نسبته إلى ضعف القلب ودخول الرعب إليه، وإظهار الجلادة، بإظهار أنه متمكن من تهيئَة أسباب المعارضة، طال الأمر أو قصر، كما أن تقديم ضميره على ضمير موسى عليه السلام، وتوسيط كلمة " النفي " بينهما ؛ للإيذان بمسارعته إلى عدم الاختلاف.
وقوله تعالى :﴿مكانًا سُوىً﴾ أي : يكون ذلك الوعد - أي : وعد الاجتماع - في مكان مستوٍ، تستوي مسافته بيننا وبينك، عدلاً، لا ظلم على أحد في الإتيان إليه، منا ومنك، وفيه لغتان : ضم السين وكسرها.
﴿قال﴾ لهم موسى عليه السلام :﴿موعدُكُم يومُ الزينة﴾ أي : مكان الزينة ؛ لأن يوم الزينة يدل على مكان مشتهر باجتماع الناس فيه في ذلك اليوم، وهو يوم عيد لهم، في كل عام يتزينون ويجتمعون فيه، وقيل : يوم النيروز، وقيل : يوم عاشوراء، وقيل : يوم سوق لهم. ﴿وأن يُحشر الناسُ ضحًى﴾ أي : موعدكم يوم الزينة، وحشرُ الناس ضحى، أو يوم حشر الناس في وقت الضحى، يجتمعون نهارًا جهارًا، أراد عليه السلام أن يكون أبلغ في إظهار الحجة وإدحاض الباطل، بكونه على رؤوس الأشهاد. والله تعالى أعلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٣
الإشارة : من سبق له البعد عن الرحمن، لا ينفع فيه خوارق معجزاتٍ، ولا قاطع برهان ودليل، أبعده التكبر والطغيان، ودفعُ الحق بالباطل. نعوذ بالله من موارد الخذلان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٣
٢٨٥


الصفحة التالية
Icon