وقوله تعالى :﴿فأجْمِعُوا كيدكم﴾ : تصريح بالمطلوب، أي : إذا كان الأمر كما ذكر، من كونهما ساحرين يُريدان إخراجكم من بلادكم، فأجمعوا كيدكم، أي : اجعلوه مُجمعًا عليه، بحيث لا يتخلف عنه واحد منكم، وارموه عن قوس واحدة. وقرأ أبو عمرو :﴿فاجْمَعُوا﴾، من الجمع، أي : فاجمعوا أدوات سحركم ورتبوها كما ينبغي، ﴿ثم ائْتُوا صفًّا﴾ أي : مصطفين، أمروا بذلك ؛ لأنه أَهْيَبُ في صدور الرائين، وأَدْخَلُ في استجلاب الرهبة من المشاهدين. قيل : كانوا سبعين ألفًا، مع كل واحد منهم حبل وعصا، وأقبلوا عليه إقبالة واحدة، وقيل : كانوا اثنين وسبعين ساحرًا ؛ اثنان من القبط، والباقي من بني إسرائيل، وقيل : تسعمائة ؛ ثلاثمائة من الفُرس، وثلاثمائة من الروم، وثلاثمائة من الإسكندرية، وقيل : خمسة عشر ألفًا. والله تعالى أعلم. ولعل الموعد كان مكانًا متسعًا، خاطبهم موسى عليه السلام بما ذكر في قطر من أقطاره، وتنازعوا أمرهم في قطر آخر، ثم أمروا أن يأتوا وسطه على الوجه المذكور.
ثم قالوا في آخر نجواهم :﴿وقد أفلح اليوم مَن استعلى﴾ ؛ فاز بالمطلوب مَنْ غلب، يريدون بما وعدهم فرعون من الأجر والتقريب، أو بالرئاسة والجاه والذكر الحسن في الناس. وقيل : كان نجواهم أن قالوا - حين سمعوا مقاله موسى عليه السلام - : ما هذا بقول ساحر، وقيل : كان ذلك أن قالوا : إن غلبنا موسى اتبعناه، وقيل : قالوا فيها : إن كان ساحرًا غلبناه، وإن كان من السماء فله أمر. فيكون إسرارهم حينئذ من فرعون، ويحمل قولهم :﴿إِن هذان لساحران...﴾ الخ، على أنهم اختلفوا فيما بينهم على الأقاويل المذكورة، ثم أعرضوا عن ذلك بعد التنازع والتناظر، واستقرت آراؤهم على المغالبة والمعارضة. والله تعالى أعلم بما كان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥


الصفحة التالية
Icon