يقول الحقّ جلّ جلاله : لبني إسرائيل، بعد ما أنجاهم من الغرق، وأفاض عليهم من فنون النعم الدينية والدنيوية :﴿يا بني إِسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم﴾ ؛ فرعون وقومه، حيث كانوا ﴿يَسُومُونَكُمْ سُواءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ﴾ [البَقَرَة : ٤٩]، ﴿ووعدناكم جانبَ الطُّورِ الأيمنِ﴾ أي : واعدناكم بواسطة نبيكم، إتيان جانب الطور، الجانب الأيمن منه للمناجاة وإنزال التوراة. وهل هو الطور الذي أبصر فيه النار ووقعت فيه الرسالة، أو غيره ؟ خلاف. ونسبة المواعدة إليهم ممع كونه لموسى عليه السلام خاصة، أو له وللسبعين المختارين، نظرٌ إلى ملابستها إياهم، وسراية منفعتها إليهم، وإعطاء لمقام الامتنان حقه. كما في قوله تعالى :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾ [الأعرَاف : ١١] ؛ حيث نسب الخلق والتصوير للمخاطبين، مع أن المخلوق كذلك هو آدم عليه السلام.
ثم قال تعالى :﴿ونزَّلنا عليكم﴾ حين تُهتم، ﴿المنَّ والسَّلْوى﴾ أي : الترنجبين والطير السُّماني، حيث كان ينزل عليهم المنَّ وهم في التيه، مثل الثلج، من الفجر إلى الطلوع، لكل إنسان صالح، ويبعث الجنوب عليهم السُّماني، فيذبح الرجل منه ما يكفيه. وقلنا لهم :﴿كُلوا من طيباتِ ما رزقناكم﴾ أي : من لذائده، أو حلاله. وفي البدء بنعمة الإنجاء ثم بالنعمة الدينية ثم بالنعمة الدنيوية من حسن الترتيب ما لا يخفى. ﴿ولا تطغَوا فيه﴾ أي : فيما رزقناكم بالإخلال بشكره، والتَعدي لما حَدَّ لكم فيه، كالترفه والبطر والمنع من المستحق. وقال القشيري : مجاوزة الحلال إلى الحرام، أو بالزيادة على الكفاف وما لا بُدَّ منه، فأزاد على سدِّ الرمق، أو بالأكل على الغفلة والنسيان. هـ. وقيل : لا تدخروا، فادَّخروا فتعودوا، وقيل : لا تنفقوه في المعصية، {فيَحِلَّ عليكم
٢٩٥


الصفحة التالية
Icon