﴿فرجع موسى إلى قومه﴾ بعدما استوفى الأربعين وأخذ التوراة، لا عقب الإخبار بالفتنة، كما يتوهم من قوله تعالى :﴿غضبانَ أسِفًا﴾، فإن كون الرجوع بعد الأربعين أمر مقرر مشهور، يرفع كون الرجوع عقب الفتنة. والأسف : أشد الغضب، وقيل : أسفًا : حزينًا جزعًا على ضلال قومه. ﴿قال يا قوم ألم يَعِدْكُم ربُّكم وعدًا حسنًا﴾ ؛ بأن يعطيكم التوراة فيها ما فيها من النور والهدى، ﴿أَفَطَالَ عليكم العهدُ﴾ أي : مدة مفارقتي إياكم. والهمزة للإنكار، والمعطوف محذوف، أي : أوَعَدَكم ذلك فطال زمان الإنجاز، فأخطأتم بسببه، ﴿أم أردتم أن يَحِلَّ عليكم غضبٌ﴾ شديد كائن ﴿من ربكم﴾ أي : من مالك أمركم، ﴿فأخلفتم موعدي﴾ أي : وعدي إياكم بالثبات على ما أمرتكم به إلى أن أرجع من الميقات، أو وعْدَكم إياي بأن تثبتُوا على ما أمرتكم به، على إضافة المصدر إلى فاعله أو مفعوله، والفاء، لترتيب ما بعدها، كأنه قيل : أنسيتم الوعد بطول العهد فأخلفتموني خطأ ﴿أم أردتم﴾ حلول الغضب عليكم فأخلفتموه ؛ عمدًا.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٦
قالوا ما أخلفنا موعدك﴾
أي : وعدنا إياك بالثبات على ما أمرتنا به، ﴿بمَلْكنا﴾ أي : بسلطاننا وقدرتنا، ونحن نملك أمرنا. وفيه لغتان : فتح الميم وكسرها. يعنون : لو خلينا وأُمورَنا، ولم يسوِّل لنا السامريُّ ما سوله، ما أخلفنا، ولكن غلبنا على أمرنا، واستغوانا السامري مع مساعدة الأحوال.
وقال القشيري : أي : لم نكن في ابتداء حالنا قاصدين إلى ما حَصَلَ مِنَّا، ولا عالمين بما آلَتْ إليه عاقبة أمرِنَا، وإنَّ الذي حملنا عليه حُلِيّ القبط، صاغَ السامريُّ منه العجلَ، فآل الأمر إلى ما بلغ من الشر، وكذلك الحرامُ لا يخلو شؤمُه من الفتنة والشر. هـ.
٢٩٨


الصفحة التالية
Icon