الإشارة : انظر أثر حافر فرس جبريل : كيف حييت به الأشباح، فكيف لا تحيا بتقبيل أثر وطء العارفين بالله، أو بتقبيل أقدامهم، بل كل من خضع لهم وقبَّل أقدامهم حييت روحه، وشعشعت أنواره، وتحقق عرفانه، كما هو معلوم ؛ لأن الخضوع لأولياء الله إنما هو خضوع لله ؛ لأنهم يدلون على الله، ويبعدون عن كل ما سواه. وانظر السامري ؛ حين خضع لغير الله بمجرد هواه كيف طُرد وأُبعد، حتى صار مثلاً في الناس. فقالت الصوفية : ينبغي للفقير أن يفر من أبناء جنسه، ويكون كالسامريِ، إذا رأى أحدًا قال : لا مساس، وأنشدوا :
وخَفْ أبناءَ جنسك واخش منهم
كما تخشى الضراغم والسُّنْبَتا
وخالِطْهم وزايلهم حِذارًا
وكن كالسامري إذا لُمِسْتَ
والسنبتاء : كل حيوان جريء، وقيل : اسم للنمر.
ويقال، لمن ركن إلى شيء دون الله تعالى ؛ مِنْ علم، أو عمل، أو حال، أو مقام، أو فني في مخلوق :(وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفًا لنُحرقنه ثم لننسفنّه في اليم نسفًا). وفي بعض الأثر : يقول الله :" يا عبدي، لا تركْن لشيء دوني، فإنْ ركنتَ إلى علم جهّلناك فيه، وإن ركنت إلى عمل رددناه عليك، وإن ركنتَ إلى حال وقفناك معه، وإن ركنتَ إلى معرفة نكرناها عليك. فأي حيلة لك أيها العبد، فكن لنا عبدًا أكن لك ربًّا " أو كما قال. وإليه الإشارة بقوله :﴿إنما إلهكم الله...﴾ الآية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٢
﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ...﴾
قلت : محل الكاف : نصب على أنه نعت لمصدر محذوف، أي : نقص عليك قصًا مثل ذلك القص المارّ. وما في الإشارة من معنى البُعد ؛ للإيذان بعلو درجته - عليه الصلاة والسلام - وبُعد منزلته في الفضل. و ﴿من أنباء﴾ : في محل النصب، إما على أنه
٣٠٤
مفعول ﴿نقُصّ﴾ ؛ باعتبار معناه، أي : نقص عليك بعض أنباء، وإما على أنه متعلق بمحذوف ؛ صفة للمفعول، أي : نقص عليك خبرًا كائنًا من أخبار ما قد سبق.


الصفحة التالية
Icon