ثم شرع في بيان المعهود، وكيفية ظهور نسيانه وفقدان عزمه، فقال :﴿وإذ قلنا﴾ أي : واذكر وقت قولنا ﴿للملائكة اسجدوا لآدم﴾، وتعليق الذكر بالوقت، مع أن المقصود تذكير ما وقع فيه من الحوادث ؛ للمبالغة في إيجاب ذكرها، فإن الوقت مشتمل على تفاصيل الأمور الواقعة فيه، فالأمر بذكره أمر بذكر تفاصيل ما وقع فيه بالطريق البرهاني، أي : اذكر ما وقع في ذلك الوقت منا ومنه، حتى يتبين لك نسيانه وفقدان عزمه، فقد أمرنا الملائكة بالسجود ﴿فسجدوا﴾ كلهم ﴿إِلا إبليس آَبَى﴾ السجود واستكبر، أو فعل الإباء وأظهره.
﴿فقلنا﴾ عقب ذلك، اعتناء بنصحه، وهو العند الذي عهدناه إليه :﴿يا آدمُ إِنَّ هذا﴾ الذي رأيته فَعَلَ ما فعل ﴿عدوٌّ لك ولزوجك﴾ ؛ حيث لم يرض بالسجود لك، ﴿فلا يُخرجكما من الجنة﴾ أي : لا يكونن سببًا لإخراجكما من الجنة، والمراد : نهيهما عن الاغترار به، ﴿فتشقى﴾ : جواب النهي، أي : فتتعب بما ينالكما من شدائد الدنيا، من
٣١٢
الجوع والعطش، والفقر والضر، وتعب الأبدان في تحصيل المعاش واللباس، فيكون عيشك من كد يمينك. قال ابن جبير :(اهبط إلى آدم ثور أحمر، فكان يَحرث عليه، ويمسح العرق عن جبينه، فهو شقاؤه). ولم يقل : فتشقيا ؛ لأنه غلَّب الذِّكَرَ ؛ لأن تعبه أكثر، مع مراعاة الفواصل.


الصفحة التالية
Icon