قال تعالى له :﴿إِنَّ لك﴾ يا آدم ﴿أن لا تجوع فيها ولا تَعْرى﴾ من فقد اللباس، ﴿وأنك لا تظمأ﴾ : لا تعطش ﴿فيها ولا تضحى﴾ ؛ تبرزُ للشمس فيؤذيك حرها، إذ ليس في الجنة شمس ولا زمهرير والعدول عن التصريح له بما في الجنة من فنون النعم من المآكل والمشارب، والتمتع بأصناف الملابس البهية والمساكن المرضية - مع أن فيها من الترغيب في البقاء فيها ما لا يخفى - إلى ما ذكر من نفي نقائضها، التي هي الجوع والعطش والعري والضحو ؛ لتنفير تلك الأمور المنكرة ؛ ليبالغ في التحامي عن السبب المؤدي إليها، على أن الترغيب قد حصل له بما أباح له من التمتع بجميع ما فيها، سوى ما استثنى من الشجرة، حسبما نطق به قوله تعالى :﴿يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ [البَقَرَة : ٣٥]، وقد طوي ذكرها هنا ؛ اكتفاءً بما في موضع آخر، واقتصر هناك على ما ذكر من الترغيب المتضمن للترهيب، ونفي الجوع وما بعده عن أهل الجنة لأنهم لا يُعْوزون طعامًا ولا شرابًا ولا كِنَّا، بل كلما تمتعوا بشيء مما ذكر، أتبعهم بأمثاله أو أفضل منه، من غير أن ينتهوا إلى حد الضرورة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١١
قال تعالى :﴿فوسوس إِليه الشيطانُ﴾ أي : أنهى إليه وسوسته، أو أسرها إليه، ﴿قال﴾ فيها :﴿يا آدمُ هل أدلُّكَ على شجرة الخُلْدِ﴾ ؟ أي : شجرة من أكل منها خلد، ولم يمت أصلاً، سواء كان على حاله، أو بأن يكون ملكًا، ﴿و﴾ أدلك على ﴿مُلكٍ لا يَبْلَى﴾ أي : لا يفنى ولا يزول، ولا يَخْتَلُّ بوجه من الوجوه، ﴿فأكلا منها فبدتْ لهما سوآتُهما﴾ قال ابن عباس رضي الله عنه : عَريا عن النور الذي كان الله تعالى ألبسهما، حتى بدت فروجهما. ﴿وطفِقَا يَخْصِفَان﴾ ؛ يَرْقََعانِ ﴿عليهما من ورقِ الجنة﴾، وقد تقدم في الأعراف.


الصفحة التالية
Icon