وقوله تعالى :﴿ولم نجد له عزمًا﴾، قال الحاتمي : أي : على انتهاك الحرمة، بل وقع بمطالعة قدَر سابق، أنساه ما توجه على التركيب من خطاب الحِجْر. هـ. قال شيخ شيوخنا سيدي عبد الرحمن الفاسي : وبما أشار إليه من مطالعة القدر يتضح لك قوله عليه السلام :" فحج آدمُ موسى "، وليس ذلك لغيره إن لم يكن مجبورًا ومأخوذًا عنه، وهذا القدر هو الفارق بين ما يجري من المخالفة على الولي وغيره. وقد نبه على ذلك الجنيد بقوله :﴿وكان أمر الله قدرًا مقدورًا﴾، فأشار لغلبة القدر وقهره، من غير وجود عزم من العبد. هـ. قلت : احتجاج آدم وموسى - عليهما السلام - لم يكن في عالم الأشباح، الذي هو محل التشريع، إنما كان في عالم الأرواح، الذي هو محل التحقيق، فالنظر في ذلك العالم الروحاني، إنما هو لسر الحقيقة، وهو ألا نسبة لأحد في فعل ولا ترك، فمن احتج بهذا غَلب، بخلاف عالم الأشباح، لا يصح الاحتجاج بالقدر ؛ لأن فيه خرق رداء الشريعة. فتأمله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١١
وقال في التنوير : اعلم أن أكل آدم من الشجرة لم يكن عنادًا ولا خلافًا، فإما أن يكون نسي الأمر، فتعاطى الأكل وهو غير ذاكر، وهو قول بعضهم، ونحمل عليه قوله سبحانه :﴿فَنَسِيَ﴾، وإن كان تناوله، ذاكرًا للأمر، فهو إنما تناول لأنه قيل له :﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـاذِهِ الشَّجَرَةِ...﴾ [الأعرَاف : ٢٠] الآية، فلحبه في الله، وشغفه به، أحب ما يؤديه إلى الخلود في جواره والبقاء عنده، أو ما يؤديه إلى الملَكِية ؛ لأن آدم عليه السلام عاين قُرب الملائكة من الله، فأحب أن يأكل من الشجرة ؛ ليتناول الملَكِية، التي هي في ظنه أفضل، لا سيما وقد قال سبحانه :﴿وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعرَاف : ٢١]، قال آدم عليه السلام :(ما ظننتُ أن أحدًا يحلف بالله كاذبًا)، فكان كما قال الله سبحانه :﴿فدلاهما بغرور﴾. هـ.


الصفحة التالية
Icon