وسُئل ابن عطاء عن قوله تعالى :﴿هل أدلك على شجرة الخلد﴾ ؟ فقال : قال آدم عليه السلام : يا رب لِمَ أدَّبتني، وإنما أكلتُ من الشجرة طمعًا في الخلود في جوارك ؟
٣١٤
فقال الله : يا آدم طلبتَ الخلود من الشجرة لا مني، والخلود بيدي وملكي، فأشركْتَ بي، وأنت لا تعلم، ولكن نبهتك بالخروج من الجنة حتى لا تنساني في وقت من الأوقات. هـ. والحاصل : أنه إمَّا أن يُحمل النسيان على حقيقته، ويكون معه وقوع الأكل بمطالعة القدر وقبضة الجبر، ولا يُعارضه :﴿ما نهاكما عن هذه الشجرة﴾ ؛ لأنه اتفق ذلك صورة وظاهرًا، مع شهود الجبر بانًا، وإمّا أن يُحمل النسيان على الترك، بتأويل أن النهي ليس على التحتم، فتركه لما أمل من جوار الحق وقربه في الأكل، فقدمه ؛ لأنه أرجح عنده. قاله المحشي.
وقوله تعالى :﴿فوسوس إِليه الشيطان...﴾ الآية، يؤخذ منه سد باب التأويلات والرخص في الأمر الممنوع شرعًا، فإن أُبيح بعضه ومُنع البعض فلا توسعة، فلأن تترك مباحًا خير من أن تقع في محرم، وقد كان السلف يتركون مائة جزء من المباح، خوفًا من الوقوع في المحرم. والله الهادي إلى سواء الطريق.
ثم قال تعالى :
﴿... وَعَصَىا ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىا ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىا قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىا وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَىا قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيا أَعْمَىا وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذالِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذالِكَ الْيَوْمَ تُنْسَىا وَكَذالِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىا﴾
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١١


الصفحة التالية
Icon