﴿قال اهبطا منها جميعًا﴾، وهو استئناف بياني، كأنَّ سائلاً قال : فما قال تعالى بعد قبول توبته ؟ فقيل : قال له ولزوجته :﴿اهبِطَا منها﴾ أي انزلا من الجنة إلى الأرض، حال كونكم ﴿بعضُكم لبعض عدوٌّ﴾ أي متعادين في أمر المعاش، كما عليه الناس من التجاذب والتحارب والاختلاف في الدين. والجمع ؛ لأنهما أصل الذرية ومنشأ الأولاد وفي اللباب : ولما أُهبطوا إلى الأرض ألقى آدمُ يده تحت خده، وبكى مائة سنة، وألقت حواءُ يدها على رأسها، وجعلت تصيح وتصرخ، فبقيت سنَّة في النساء. ولم يزل آدم يبكي حتى صار بخديه أخاديد من كثرة الدموع، وجرى من عينيه على الأرض جدولان، يجريان إلى قيام الساعة. وأُهبط آدم على ورقة من ورق الجنة، كان يتستر بها، وفي يده قبضة من ريحان الجنة، فلما اشتغل بالبكاء أدارتها الرياحُ في أرض الهند، فصار أكثر نباتها طيبًا. انظر بقية كلامه.
﴿فإِمّا يأتينكم مني هُدًى﴾ أي : هداية من رسول وكتاب يهدي إلى الوصول إليَّ، أي : سيأتيكم مني رسل وكتاب. والخطاب لهما بما اشتملا عليه من ذريتهما. ﴿فمن اتبع هُدايَ﴾ بأن آمن بالرسل وبما جاؤوا به من عند الله ﴿فلا يضل﴾ في الدنيا ﴿ولا يشقى﴾ في الآخرة. ووضع الظاهر موضع المضمر يعني : من اتبع هداي، مع الإضافة إلى ضميره تعالى ؛ لتشريفه والمبالغة في إيجاب اتباعه. وعن ابن عباس رضي الله عنه :(من قرأ الفرقان، واتبع ما فيه، هداه الله من الضلالة، ووقاه يوم القيامة سوء الحساب، وذلك لأن الله تعالى يقول :﴿فمن اتبع هداي﴾ ؛ أي : كتابي ورسولي، ﴿فلا يضل﴾ في الدنيا، ﴿ولا يشقى﴾ في الآخرة). وفي لفظ آخر :(أجار الله تابع القرآن أن يضل في الدنيا ويشقى في الآخرة). قال ابن عرفة : والعطف بالفاء في قوله :﴿فإما…﴾ الخ، إشارة إلى أن العداوة سبب في أن يبعث لهم الرسل يهدونهم إلى طريق الحق، فضلاً منه تعالى، ولذلك أتى " بإن "، دون " إذا " المقتضية للتحقيق الموهم للوجوب. فانظره.


الصفحة التالية
Icon