واعلم أن آدم عليه السلام قد أهبط إلى الأرض قبل أن يخلق، قال تعالى :﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ [البَقَرَة : ٣٠] ؛ فقد استخلفه قبل أن يخلقه، لكن حكمته اقتضت وجود الأسباب، فكان أكله سببًا في نزوله للخلافة والرسالة وعمارة الأرض، فهو نزول حسًا، ورفعة معنى، وكذلك زلة العارف تنزله لشرف العبودية، فيرتفع قدره عند الله.
وقوله تعالى :﴿بعضكم لبعض عدو﴾، هذا فيمن غلبت عليها الطينية الإمشاجية، وأما من غلبت عليه الروحانية فهم إخوان متحابون، أخلاء متقون، قال تعالى :﴿١٦٤٩; لأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ﴾ [الزُّخرُف : ٦٧].
وقوله تعالى :﴿فإما يأتينكم مني هدى﴾ أي : داع يدعو إليَّ، ويهدي إلى معرفتي ودخول حضرتي، فمن تبعهم دخل تحت تربيتهم، فلا يضل ولا يشقى، بل يهتدي ويسعد السعادة العظمى. ومن أعرض عن ذكرهم ووعظهم، وتنكب عن صحبتهم، فإن له معيشة ضنكًا، مصحوبة بالحرص والطمع، والجزع والهلع، ونحشره يوم القيامة أعمى عن شهود ذاتنا، فلا يرى إلا الأكوان الحسية، والزخارف الحسية دون أسرار الذات القدسية. قال ربِّ لِمَ حشرتني أعمى عن شهود أسرار المعاني، عند رؤية الأواني، وقد كنتُ بصيرًا في الدنيا ببصر الحس ؟ قال : كذلك أتتك آياتنا، وهم الأولياء العارفون، فنسيتها ولم تحتفل بشانها، وكذلك اليوم تُنسى ؛ لأن المرء يموت على ما عاش عليه، ويُبعث على ما مات عليه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١١


الصفحة التالية
Icon