ولا يعتبرون، فأصروا على الكفر والعصيان، فلولا تلك العِدّة بتأخير العذاب ﴿لكان لزامًا﴾ أي : لكان عقاب جناياتهم لازمًا لهؤلاء الكفرة، بحيث لا يتأخرون عن جناياتهم ساعة، لزوم ما أنزل بأولئك الغابرين، وفي التعرض لعنوان الربوبية، مع الإضافة إلى ضميره - عليه الصلاة والسلام - تلويح بأن ذلك التأخير تشريف له ﷺ، كما ينبئ عنه قوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ [الأنفال : ٣٣]. واللزام : مصدر لازم، وصف به ؛ للمبالغة، ﴿وأجَلٌ مسمىً﴾ أي : لولا كلمة سبقت بتأخيرهم، وأجل مسمى لأعمارهم أو عذابهم، وهو يوم القيامة، أو يوم بَدْرٍ، لَمَا تأخر عذابهم أصلاً. وإنما فصله عما عطف عليه، للمسارعة إلى بيان جواب " لولا "، وللإشعار باستقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب المعجل، ومراعاة فواصل الآية الكريمة.
﴿فاصبر على ما يقولون﴾ أي : إذا كان الأمر على ما ذكرنا ؛ من أن تأخير عذابهم ليس بإهمال، بل إمهال، وأنه لازم لهم ألبتة. فاصبر على ما يقولون من كلمات الكفر ؛ فإن علمه ﷺ بأنهم هالكون لا محالة مما يسليه ويحمله على الصبر، أو اصبر على ما يقولون، واشتغل بالله عنهم، ولا تلتفت إلى هلاكهم ولا بقائهم، فالله أدرى بهم. ﴿وسَبِّحْ بحمدِ ربك﴾ أي : نزّهه عما ينسبون إليه، ما لا يليق بشأنه الرفيع، حامدًا له على ما خصك به من الهدى، معترفًا بأنه مولى النعم كلها.
قال الورتجبي : سماع الأذى يُوجب المشقة، فأزال عنه ما كان قد لحقه من سماع ما يقولونه بقوله :﴿وسبح بحمد ربك﴾ أي : إن كان سماع ما يقولون يُوحشك، فتسبيحنا يُروحك. هـ. أو : صَلِّ وأنت حامد لربك، الذي يبلغك إلى كمال هدايتك، ويرجح هذا قوله :﴿قبل طُلوع الشمس وقبل غُروبها﴾، فإن توقيت التنزيه غير معهود، فإنَّ المراد بقبل طلوع الشمس : صلاة الفجر، وقبل غروبها : صلاة الظهر والعصر، وقيل : العصر فقط.


الصفحة التالية
Icon