فاصبر، أيها المتوجه إلى الله، المنفرد بطاعة مولاه، على ما يقولون، مما يُكدر القلوب، واشتغل بذكر ربك وتنزيهه، مع الطلوع والغروب وآناء الليل والنهار، حتى تغيب في حضرة علام الغيوب، لعلك ترضى بمشاهدة المحبوب. وبالله التوفيق.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٩
٣٢١
قلت :﴿زهرة﴾ : مفعول بمحذوف، يدل عليه ﴿مَتَّعْنَا﴾ أي : أعطينا، أو على الذم، وفيه لغتان : سكون الهاء وفتحها.
يقول الحقّ جلّ جلاله لنبيه ﷺ :﴿ولا تمدنَّ عينيك﴾ أي لا تطل نظرهما، بطريق الرغبة والميل ﴿إلى ما متّعنا به﴾ من زخارف الدنيا ﴿أزواجًا منهم﴾ أي : أصنافًا من الكفرة، والمعنى : لا تنظر إلى ما أعطيناه أصناف الكفرة من زخارف الدنيا الغرارة، ولا تستحسن ذلك، فإنه فانٍ، وهو من ﴿زهرة الحياة الدنيا﴾ أي بهجتها، ثم يفنى ويبيد، كشأن الزهر، فإنه فائق المنظر، سريع الذبول والذهاب.
متعناهم بذلك، وأعطيناهم الأموال والعز في الدنيا ؛ ﴿لنفتنهم فيه﴾ أي : لنعاملهم معاملة من يبتليهم ويختبرهم، هل يقومون بشكره فيؤمنوا بك، ويصرفوه في الجهاد معك، وينفقوه على من آمن معك… أم لا ؟ أو لنعذبهم في الآخرة بسببه، فلا تهتم بذلك. ﴿ورزقُ ربك﴾ أي : ما ادخر لك في الآخرة ﴿خيرٌ﴾، أو : ورزقك في الدنيا من الكفاف مع الهُدى، خير مما منحهم في الدنيا، لأنه مأمون الغائلة ؛ بخلاف ما منحوه، فعاقبته الحساب والعقاب. ﴿وأبقى﴾ ؛ فإنه لا ينقطع نفْسُه أو أثره، بخلاف زهرة الدنيا، فإنها فانية منقطعة.


الصفحة التالية
Icon