يقول الحقّ جلّ جلاله في جواب قول الكفرة :﴿هَلْ هَـاذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ [الأنبيَاء : ٣] بعد تقديم الجواب عن قولهم :﴿فليأتنا بآية﴾ ؛ لأنهم قالوه بطريق التعجيز، فلا بد من المسارعة إلى رده، كما تقدم مرارًا في الكتاب العزيز، كقوله :﴿إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ...﴾ [هُود : ٣٣] الآية، ﴿مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالحَقِّ﴾ [الحجر : ٨] الآية. إلى غير ذلك، فقال جلّ جلاله :﴿وما أرسلنا قَبلك﴾ في الأمم السالفة ﴿إِلا رجالاً﴾ ؛ بشرًا من جنس القوم الذين أُرسلوا إليهم ؛ لأن مقتضى الحكمة أن يُرسل البشر إلى البشر، والملَك إلى الملَك، حسبما نطق به قوله تعالى :﴿قُل لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلاائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَآءِ مَلَكاً رَّسُولاً﴾ [الإسرَاء : ٩٥]، فإن عامّة البشر لا تطيق المفاوضة مع الملك ؛ لتوقفها على التناسب بين المفاوض والمستفيض ؛ فبعث لكل جنس ما يناسبه ؛ للحكمة التي يدور عليها فلك التكوين والتشريع، والذي تقتضيه الحكمة الإلهية أن يبعث الملك إلى خواص البشر المختصين بالنفوس الزكية، المؤيدين بالقوة القدسية، المتعلقين بالعالم الروحاني والجسماني، ليتلَقوا من جانب العالم الروحاني، ويلقوا إلى العالم الجسماني، فبعث رجالاً من البشر يوحي إليهم على أيدي الملائكة أو بلا واسطة.
والمعنى : وما أرسلنا إلى الأمم، قبل إرسالك إلى أمتك، إلا رجالاً مخصوصين من أفراد الجنس، متأهلين للاصطفاء والإرسال، ﴿نوحي إليهم﴾، بواسطة الملك، ما
٣٢٩