يُوحي من الشرائع والأحكام، وغيرهما من القصص والأخبار، كما يُوحي إليك من غير فرق بينهما، ﴿فاسألوا أهل الذِّكر إٍن كنتم لا تعلمون﴾ أي : فاسألوا، أيها الجهلة، أهلَ العلم ؛ كأهل الكتب الواقفين على أحوال الرسل السالفة - عليهم الصلاة والسلام - لتزول شبهتكم إن كنتم لا علم لكم بذلك. أُمروا بذلك ؛ لأن إخبار الجم الغفير يُوجب العلم الضروري، لا سيما وهم كانوا يشايعون المشركين عداوته ﷺ، ويشاورونهم في أمورهم، فإذا أخبروهم أن الرسل إنما كانوا بشرًا، ولم يكونوا ملائكة، حصل لهم العلم بالحق، وقامت الحجة عليهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٩
وتوجيه الخطاب إلى الكفرة في السؤال، بعد توجيهه إلى الرسول - عليه الصلاة والسلام - في الإرسال ؛ لأنه الحقيق بالخطاب في أمثال تلك العلوم والحقائق الأنيقة، وأما الوقوفُ عليها باستخبار من الغير فهو من وظائف العوام.
ثم بيَّن كون الرسل - عليهم الصلاة والسلام - أسوة لأفراد الجنس في أحكام البشرية، فقال :﴿وما جعلناهم جسدًا﴾ أي : أجسادًا، فالإفراد لإرادة الجنس، أو ذوي جسد، ﴿لا يأكلون الطعامَ﴾ أي : وما جعلناهم أجسادًا صمدانيين، أغنياء عن الطعام والشراب، بل مُحتاجين إلى ذلك ؛ لتحقيق العبودية التي اقتضت شرفهم. ﴿وما كانوا خالدين﴾ ؛ لأن كل من يفتقر إلى الغذاء لا بدّ أن يتحلل بدنه بسرعة، حسبما جرت العادة الإلهية، والمراد بالخلود : المكث المديد، كما هو شأن الملائكة أو الأبدية. وهم معتقدون أنهم كانوا يموتون. والمعنى : بل جعلناهم أجسادًا مفتقرة صائرة إلى الموت عند انقضاء آجالهم، لا ملائكة ولا أجسادًا صمدانية.


الصفحة التالية
Icon